«حقول الحرية».. عندما تمنحنا كرة القدم القدرة على التمسك بالحلم
خالد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 مارس 2019 - 11:05 ص
بتوقيت القاهرة
يجىء فيلم حقول الحرية Freedom Fields للمخرجة الليبية نزيهة عريبى والذى يشارك فى مسابقة الأفلام التسجيلية لمهرجان الاقصر للسينما الافريقية ليشكل عملا مهما، ليس فقط انطلاقا من عنوانه الكبير، ولكن لعمق القضية التى يطرحها وتأثيرها الممتد، وأسلوب طرحه الواقعى وصورته الحية النابضة بالحلم والنور والامل فى مجتمع تسوده أفكار ظلامية استسلم لها طويلا.
المخرجة التى تعيش خارج البلاد، قررت ان تعود للوطن لتستكشف صورته المعاصرة، عقب الثورة التى اطاحت بالقذافى، قابلت العديد من النساء من مختلف الطبقات الثقافية والاجتماعية والأعمار، لتقف عند فكرة فيلمها، الذى يسرد بسيناريو محكم البناء قصة لـ3 سيدات واجهن سلسلة كبيرة من التحديات ويناضلن بهدف تحقيق الحلم المتمثل بلعب كرة القدم من أجل رفع راية بلادهن فى الملاعب والبطولات الدولية، والواقع أنها فكرة ذكية لأن كرة القدم أمر يجمع الناس بالفعل، كما أنها تجعل الجميع يتنفس ويعيش.
يتناول الفيلم على مدى تسعين دقيقة قصة إنشاء أول فريق نسائى لكرة القدم فى ليبيا وهو ما يستوجب عليهم تحدى مجموعة من الصعاب، لسنوات ظلت ليبيا لا تسمع إلا أنباء تعيسة فى نشرات الأخبار عن حرب وقتل وتفجيرات، وتكاد صورة الشارع واحلام المواطن الليبى متشابكة بين أطياف نزاعية، وعبر عدة مشاهد متتالية محكمة دراميا تستطيع المخرجة نزيهة عريبى الخروج ببطولاتها اللاعبات من هذا الحصار ليتوحد المشاهد معهن فى مطاردة حلمها بممارسة الرياضة، وسط وضع سياسى مشتعل، وتطرف دينى يصل لتكفيرها علنا على منابر المساجد لتغزل حكايات اللاعبات، مع رصد للحياة اليومية فى الشارع الليبى خلال أربع سنوات تالية لأحداث 2011، وكأنها ارادت ان يكون عملها مرآة تعكس الوضع الليبى الذى بات جزء كبير منه محافظا.
رصد الفيلم بصورة محورية خوف الاتحاد الليبى من التيارات الدينية المتشددة التى تهاجم فكرة ان تلعب الفتيات كرة القدم، واضطر ان يفض الفريق، ولم يكن امام هؤلاء الفتيات سوى ان يتدربن فى الخفاء وعلى نفقتهن الخاصة، وأجبرن المجتمع على احترام حلمهن، وبالفعل يلعبن مباريات مع المنتخب الفلسطينى وكذلك اللبنانى، ويلتف حولهن فتيان صبية صغار يتنفسون نفس الحلم، ويقمن بتجهيز ملعب أمن للتدريب به يقطعن نجيلته بأيديهن وينصبن شباك المرمى.
يقول السياسيون إنهم يدعمون الفريق، قد يكون هذا صحيحا، ولكن ماذا يعنى هذا الدعم إذا لم يتحول إلى عمل. يقولون إنهم لا يستطيعون السماح لهم باللعب بسبب الوضع الأمنى. صحيح أن هناك تهديدات بالقتل، لكن ألا تقيد أنشطة الفريق بمعاقبة الأشخاص الخطأ بشكل أساسى؟ فى إحدى الليالى التى حقق فيها فريق الرجال النصر، نرى المشجعين فى الشوارع وهم يهتفون ويصدرون أصوات أبواق سياراتهم فى الاحتفال. لا يمكن أن تكون الصورة أكثر اختلافا عندما يشتكى الإمام الغاضب من «العُرى» ويشتكى من أن المسئولين «يختارون فتيات طويلات وشابات جميلات» كما لو أنهن يتوقعن الفوز بنفس السهولة مع فريق يتألف من النساء الصغيرات. هل هو حب للسيطرة؟ أم الخوف؟ «النساء تفكر، مرتبكة من هذا الوضع. ليس فقط أنهن يشعرن بالضيق من معاملتهن بهذه الطريقة، فهن لا يستطعن فهمها. يبدو الأمر كما لو أنه يصر على محاولة فرض نفسه على الرغم من أنه لا يسيطر عليهن نفسيا، إلا أنه أثر بشكل كبير على طريقة لعبهن».
الفيلم الذى اعتبرته مخرجته بمثابة المغامرة، استغرق تصويره خمس سنوات (من 2012 إلى 2016)، فى ظل الوضع الليبى الخطير أمنيا، أرادت إيصال رسالة أن المجتمع الليبى يسع كل طوائفه، ولا علاقة للوضع بالصراع الإيديولوجى، ولكن بين أشخاص يملكون القوة والسلطة، وآخرين مضطهدين يتعرضون للظلم والمعاناة.
وقالت عريبى «إن فيلم. حقول الحرية قدم لها دروسا عديدة اهمها بأننا نتمتع بالكثير من القوة فى داخلنا لنواصل مسيرتنا على الرغم من كل الظروف السيئة حولنا، ومع تطور الأحداث فى الفيلم فإننا ندرك بأنه ليس عن كرة القدم فحسب بل يظهر كيف تستغل النساء الرياضة فى سبيل تحقيق المصالحة المجتمعية، ففكرة القدم تصبح محركا وفضاء مجازيا لمناقشة قصص النساء. وهكذا استطعت التواصل مع العديد من النساء المؤثرات من مختلف فئات المجتمع».
بدون شك ان الفيلم بصورته الواقعية وحوار يتنفس حياة يظهر قوة المجتمع وروح الجماعة فى دعم الأفراد لبعضهم البعض. وانه عندما نتعاون يمكننا ان نحدث الفرق وأن نكون مصدر إلهام والرياضة وسيلة مهمة لاستكشاف تلك القوة.