جريمة «قهوة المحطة».. الجميع رهن الإدانة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 19 مارس 2025 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

 تبقى للدراما البوليسية المحاطة بلغز جريمة رونقها وبريقها ومكانتها المتميزة، خاصة إذا ما كانت تلقى بظلالها على قضايا اجتماعية وإنسانية تحاكى واقعا مأزوما ينقسم على نفسه بين حلم ويأس وتتلاعب به الأقدار، وتلامس جراح بشر يواجهون مفاجآت قادم أيامهم، وتختلط فيها مشاعر اليأس بالامل وفق حبكة درامية لا تخلو من الإثارة، وهو ما تحقق بالفعل مع مسلسل «قهوة المحطة» الذى أراه أحد أهم أعمال دراما النصف الثانى من رمضان هذا العام.
أكثر من سبب شكل هذا التميز فى مقدمتها الحوار الثرى والسيناريو المرسوم بدقة وفق تسلسل مبتكر، للمؤلف عبد الرحيم كمال، وهو يتنقل فى الزمن بين لحظة سابقة وأخرى لاحقة ومشهد فارق ربما يدين المجتمع كله، واضعا جميع شخصياته فى مأزق دائرة الاتهام والإدانة بمن فيهم حتى مؤمن الشاب القتيل الذى ربما استسلم لحظة اليأس وضعف إيمانه من تحقيق الحلم، فضلا عن الأداء التمثيلى الغارق بعمق أحاسيس أبطال العمل فى مأزقهم مع الحياة، ثم تجىء رؤية المخرج الموهوب إسلام خيرى، وصورته المدهشة بواقعيتها، وأيضا اختيار شخصياته التى توحدت مع مكنونها ومحتوى الأحداث، والتى تنطلق من الشاب «مؤمن الصاوى» يجسده الفنان أحمد غزى الذى يترك بلده قادما إلى القاهرة بحثا عن النجومية، ويقتل فى لحظة غامضة داخل مقهى المحطة بوجود صاحبها المعلم رياض «بيومى فؤاد»، حيث وتنقطع الكهرباء وتعود فيجد زبائن المقهى مؤمن غارقًا في دمه دون سبب واضح، ويتولى المقدم عمر موافى «أحمد خالد صالح» مهمة التحقيق فى جريمة القتل، وأثناء بحثه عن القاتل ومحاولة كشف أسرار الجريمة، يجد نفسه عالقًا بين الأدلة وحدسه الشخصى، وأمام عدد من الأشخاص الذين تصوب نحوهم أصابع الاتهام.
يخبر رياض - عمر بقصة الشاب مؤمن والذى ذهب للقاهرة لحضور اختبار تمثيل دون معرفة والده، وتعرض للسرقة بالمحطة مما اضطره للذهاب والنوم بالمقهى.
ينقلنا المخرج بين لحظة وأخرى لاستكشاف حكاية عمر، ومن المحطات المهمة قصة حبه شديدة الرومانسية مع الفتاة شروق «فاتن سعيد»، والتى تم تصويرها بعذوبة، كما ينقلنا لعالم المقهى كمكان ملهم ونموذج لوطن .. شخصيات، أفكار، قصص، والتى من بينها شخصية الكاتب محمد نجم «احمد ماجد» الذى يكتب أعماله من واقع ذلك العالم ويرى أن جريمة القتل مسئولية الجميع، وهو ما يتضح من اعترافات التحقيقات، حيث يكشف كل طرف عورات الآخرين ..ريشة، الملك الدولى، ابتسام.
يلقى عبد الرحيم كمال بثقل لغته فى الحوارات العميقة المتبادلة التى تنبئ بمأزقنا الحقيقى على لسان مؤمن: «أصعب حاجة ليس انك تفشل، بل انك متخدش فرصتك، حلمت سافرت جيت. استحملت رخامة البشر، وعندما وصلت المحطة لقيت مليش لى عازة».
وعلى لسان شخصية المؤلف أحمد نجم أمام المحقق: «المشكلة الأساسية تكمن فى أن المتعلم لما يكون أنانى، والغنى لما يكون انتهازى، والشاب لما يفقد حلمه».
أكثر من مشهد ملهم وحضور طاغ فى الأداء فى الحوار بين المعلم رياض وابنه طارق الذى ليس من صلبه، إبداع كبير من بيومى فؤاد، وكذلك أبدع علاء مرسى أو الحاج صاوى والد مؤمن فى مشهده الملىء بمشاعر وخوف ولهفة الأب على ابنه، عندما يشعر بالخطر، ثم بمشهده أمام المحقق وهو يرجوه سرعة التصريح بدفن الجثة وأن يكون بجواره .
كان مؤمن مصدقا بالأحلام البريئة، وبأن يصبح نجما، ويكمل قصة حبه مع «شروق» كان طماع يريد ما هو أكبر من الشهرة، يريد الحب، وأن تشير الناس إليه ويقولون: «نحب هذا الشخص"..
رسائل إنسانية عديدة ودروس فى الخطيئة والتوبة وعبء الأحلام التى نحملها كلها تنفجر داخل عالم «قهوة المحطة» وما زلنا ننتظر فك لغز الجريمة التى كلنا شركاء بها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved