مفتى مبارك هو مفتى المشير
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 20 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
الكلام عن أن زيارة المفتى إلى إسرائيل كانت مبادرة شخصية منه، أو اختيارا ذاتيا لا يمكن أن ينطلى على عقل طفل، ومحاولة تصوير المسألة كلها بأن الشوق استبد بالدكتور على جمعة لزيارة المسجد الأقصى هو نوع من الخدع البصرية التى تهدف إلى صرف الأنظار عن جوهر الموضوع.
ومعلوم للجميع أن منصب المفتى هو منصب سياسى بالأساس، ذلك أنه يعين بقرار من رئيس الجمهورية على درجة وزير، ومن ثم فإن القراءة الموضوعية للموضوع تقول إن وزير الإفتاء ذهب إلى القدس المحتلة مبعوثا من رؤسائه، حاملا رسالة، لا شفهية ولا مكتوبة، لكنها تستخدم لغة الإشارة والإيماء من قبل الإدارة الجديدة فى مصر حيال قضية التطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيونى، محتواها أن شيئا لن يتغير بعد خلع مبارك فى هذا الخصوص.
ومهما أقسم المفتى بأن رحلته شخصية تلبية لحاجة روحية امتلكت جوارحه، فلن يصدق أحد أنه ذهب دون إذن وعلم ومباركة وربما تكليف من المجلس العسكرى.
ويبدو أن البعض تصور أن قضية مقاومة التطبيع قد سقطت أو تراجعت فى قائمة أولويات الشعب المصرى، فى ظل الانشغال والاستغراق فى ملفات الداخل المستعرة، سواء ما يتعلق منها بأزمات الحياة اليومية، بوتاجاز وبنزين وجوع اقتصادى وعطش أمنى وخلافه.. أو معمعة الانتخابات الرئاسية ومعركة الجمعية التأسيسية للدستور، وأنف النائب وجنسية والدة أبواسماعيل، وغير ذلك من قضايا تسيطر على تفكير المجتمع.
إن مفتى مصر لم يجرؤ على هكذا تصرف فى عز أيام العلاقات الدافئة بين نظام مبارك والعدو الصهيونى، وبالتالى تصبح خطوته الصادمة شيئا لافتا للنظر فى توقيته وظروفه السياسية والدولية.
وبما أن محاولة شخصنة الزيارة لن تقنع أحدا فإنه من المهم تدبر المعانى والرسائل السياسية التى تغلف هذه الزيارة بإمعان.. فمن ناحية أراد حكام مصر الآن أن يجروا تجربة معملية على موضوع التطبيع على الشخصية المصرية المنهكة بملفات الأزمات الاقتصادية والأمنية، والقلقة نسبيا من فزاعات الإسلام السياسى التى يجرى تضخيمها بدهاء شديد.. ومن ناحية أخرى هى رسالة طمأنة للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بأن ما كان يحصلون عليه من مبارك لن يتغير، وأن العقيدة الدبلوماسية لدى مجموعة الحكم التى جاءت مكان حسنى مبارك لن تتبدل، ولن تجنح أو ترسو على شواطئ تثير قلق وانزعاج الأمريكان والإسرائيليين.
وفى هذا لا تختلف زيارة جمعة للقدس المحتلة عن تلك الزوابع التى كان يثيرها مفتى مصر وشيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوى، من خلال استقبال حاخامات فى مشيخة الأزهر أو المشاركة فى مؤتمرات تطبيع دينية أو إصدار فتاوى تحتقر شهداء العمليات الفدائية ضد قطعان المحتلين الصهاينة.
والخلاصة أن ورقة مفتى مصر جرى استخدامها فى لعبة الرسائل الدبلوماسية، كما كان يحدث من قبل، وهى رسائل للخارج وللداخل، الذى ثبت أنه لايزال بخير، عارفا أعداءه وغير مستعد للتخلى عن جزء أصيل من عقيدته الوطنية والدينية.