دروس مصرية لطلاب الإعدادية
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 19 أبريل 2014 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
عبدالرحمن عاطف طالب بالصف الثانى الإعدادى ضبطه المدرس وهو يلعب مع زملائه بنبلة مصنوعة من البلاستيك.. فاصطحبه إلى المدير ومعه زميل آخر اسمه «معتصم» معه طلق خرطوش فارغ.. وحينما فتش المدير حقيبة معتصم وجد فيها جدولا للحصص عليه شعار رابعة وكلمة «طلاب ضد الانقلاب».. انقلبت المدرسة رأسا على عقب واستدعى الناظر الشرطة التى جاءت على عجل واصطحبت الطالبين وهما فى ذعر شديد إلى القسم ثم إلى مديرية الأمن، حيث تم احتجازهما للعرض على النيابة فى الصباح.
وقف الطالبان أمام النيابة وهما لا يعرفان شيئا عن الفرق بين النيابة والمباحث والشرطة العادية.. ولا الحركات الإسلامية أو الجيش أو الصراع السياسى.
ظل كل طالب منهما يقول لوكيل النيابة: يا أستاذ.. أو يا مستر تارة أخرى فيرد عليهما: أنا مش أستاذ ولا مستر.. وهما لا يعرفان كيف يخاطبانه.
وجهت النيابة لـ«عبدالرحمن» تهمة حيازة سلاح يدوى بين قوسين «نبلة».. ووجهت للثانى حيازة طلق خرطوش.. أصر أ/ أحمد سيف المحامى على كتابة كلمة «فارغ» أمام طلق خرطوش.. وجهت لهما النيابة تهمة الانضمام لجماعة تهدف لتعطيل الدستور والقانون والإرهاب أحد وسائلها.
لم يفهم الطالبان شيئا عن التهمة فهما لا يعرفان الدستور ولا القانون.. ولم يفكرا فى قلب نظام الحكم فى منزلهما.. فضلا عن حكم مصر القوية.. وهل «النبلة البلاستيك» هى الإرهاب بحق؟!
حاول المحامى إفهام وكيل نيابة الأحداث أنهما صغار لا يدركان هذه المعانى الكبيرة.. وأنهما يعبثان ويلعبان ولم يضرا أحدا.
لم يجد المحامى بدا أمام غياب روح القانون وعاطفة الأبوة من النيابة وإصرارها على توجيه التهمة إلا التشديد على الطالبين بإنكار حيازة النبلة والخرطوشة الفارغة.. لابد أن تكذب فى مصر لكى تنجو.. هذه أول دروس سيخرج بها هذان الصغيران من محنتهما الساذجة.
حاول المحامى إفهام مدير المدرسة أن المشكلة لم تكن تستحق الأقسام والنيابة والسجن.. وأنها مشكلة تربوية تعليمية ينبغى حلها داخل إطار المدرسة.. وتكون عقوباتها تعليمية إرشادية تنفع ولا تضر.. تؤلم ولا تقتل.. ولكن دون جدوى.
هذا المحامى صديقى اعتقل معى طويلا ويتمتع بروح الأبوة ويعلم أن سجنهما قد يحطمهما وقد يزرع فيهما الخوف والجبن أو يسوقهما سوقا نحو العنف المسلح الحقيقى.. إذا عاش كل غلام منهما دور البطل المجاهد.. لاسيما إن تشرب الفكر التكفيرى فى السجن.. أو تعلم فواحش شائعة فى السجون فى هذا العمر الخطير.. تحوله من طالب رائع مهذب إلى مجرم شقى يكره نفسه والمجتمع والدنيا كلها.
أقفل وكيل النيابة المحضر طلبا لتحريات الأمن الوطنى مع إحالتهما للمحكمة.. وعندما سمعت أم عبدالرحمن ذلك بكت.. لأن زوجها اعتقل سنوات أيام مبارك.. أما الآخر فوالده إخوانى.
إن هذين الطالبين يمثلان نموذجا حيا لجناية مجتمع كامل على حياة غلامين بريئين لا يحملان فى قلبهما حقدا ولا حسدا ولا كراهية ولا بغضاء.. ولا يعرفان شيئا عن الصراعات السياسية التى أتت على الأخضر واليابس.. وإذا بالجميع يصر على إدخال مثل هؤلاء الغلمان فى دوامة لا نهاية لها قد تنتهى بكراهيتهم وحقدهم على كل المجتمع.
لقد أساء الآباء إلى أمثال هؤلاء الأبناء حينما تدخلوا فى اختياراتهم السياسية والحياتية مبكرا.
يا أيها الآباء أنتم اخترتم حياتكم ومواقفكم السياسية.. فاتركوا أولادكم يختارون حياتهم ومواقفهم السياسية بعد أن يكتمل نضجهم العقلى والفكرى والوجدانى.. ولا تلزموهم باختياراتكم أو تكرهونهم معنويا على اتخاذ نفس مواقفكم السياسية التى قد يثبت الزمن خطأها ويفرز سلبياتها.
لقد اجتمع الجميع ومنهم الأسرة والمدرسة والشرطة والنيابة والقضاء والدولة على تدمير مثل هذين الغلامين.
ماذا ستفعل النبلة والبلاستيك وجدول الحصص لهز نظام تحميه عشرات المؤسسات السيادية.. ولماذا السذاجة والتضخيم المضل فى التعامل مع التوافه والإهمال فى الأمور العظيمة؟
إن كل تركيز أمنى وقضائى مع أمثال هؤلاء سيقابله تفريط وإهمال مع الذين يفجرون ويغتالون ويحرقون هنا وهناك.. ومعظمهم لا يضبط إلا بعد عشرات التفجيرات.
ولعل فى جماعة «أجناد مصر» الدليل على ذلك فقد قامت بعشر عمليات تفجير فى قلب القاهرة ولولا مطاردة الأهالى للذى ألقى القنبلة الأخيرة فى الدقى وشجاعة سائق التاكسى فى القبض على أحدهما ما انفكت شفرة هذا التنظيم.
إن على الدولة المصرية أن تحسم أمرها وتفرج عن كل الطلبة الصغار وكذلك كبار السن الذين لم يقوموا بأعمال عنف.. وعليها ألا تسجن أحدا إلا إذا كان مستحقا للسجن.
أما تحويل الجميع إلى المحاكم دون تدقيق أو تمحيص فهذا سيشكك المصريون فى كل القضايا.
يا قوم ركزوا جهدكم على العنف المسلح وعلى الذين يفجرون ويغتالون ويحرقون.. ثم عالجوا أمر الباقين بطريقة حكيمة وعاقلة وبحسب كل إنسان وظروفه بحيث يصب ذلك كله فى مصلحة الوطن.