الصمت ليس حلا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 أبريل 2016 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
المعارك مثل الأسواق يرتفع فيها الضجيج، منها من يدخلها مسلحا بالحجة والحق، مؤمنا بعدالة موقفه، ومنها من يمتطى جوادها بحثا عن مغنم، أو رغبة فى الظهور أو بحثا عن شهرة، وتستفحل هذه الظاهرة فى حالة المعارك المجانية العامة، التى يجد كل شخص مكانا فيها.
معركة تلوح فى الأفق، وهى مكررة، مع الإعلام الذى ينظر إليه على إنه سبب كوارث داخلية وخارجية. لا أحد يجادل فى حقيقة انفلات الإعلام، وظهور وجوه تسىء للنظام من حيث إنها تريد أن تدافع عنه، وأحاديث غاضبة، صاخبة تحركها مصالح شخصية حتى لو تدثرت بأردية الدفاع عن الصالح العام، ووهناك نزوع نحو استباحة المختلفين، الإعلام شأنه شأن سائر المهن، لا يخلو من مدعين، وحمقاء ومنفلتين، ومغرضين، ولا يخلو كذلك من مهنيين مخلصين منضبطين.
انتقاد الإعلام، والترصد له، والتمهيد لإصدار تشريعات بشأنه هو حديث الساعة، لكنها معركة فيها الغث وفيها الثمين. هناك من يريد أن يضبط أداء الإعلام، وهناك من يريد إسكات أصوات نقدية فى الإعلام، هناك من يريد إعلاما نزيها نقديا، وهناك من يريد إعلاما على مقاس السلطة. لن أتحدث عن الذين يريدون إعلاما مهنيا، فنحن بالطبع نشاركهم فى ذلك، ولكن الحديث يجب أن ينصرف عن أولئك الذين يريدون إعلاما مهيض الجناح، أو بلغة أهل الأيديولوجيا «إعلام مدجن».
الأسباب كثيرة وراء البحث عن إعلام الصمت. الرغبة فى عدم الكشف عن عثرات المؤسسات العامة، أو تسليط الضوء على الفساد وانتهاك حقوق المواطن، أو اعتبار أن الحديث عن المشكلات يخلقها من عدم، أو النظر إلى الإعلام بوصفه ساحة للعراك، وليس مجالاً لتعميق الشفافية، والنقاش العام، وحرية تداول المعلومات. وفى الواقع لا يمكن فصل الحديث عن الإعلام عن التضييق على المجال العام، وتخفيض منسوب النقاش والحوار، وانتشار خطاب التشكيك والتخوين. اللافت أن الإعلاميين، الذين ينظر إليهم على أنهم ينشرون البغضاء والغضب والعراك والسجال هم من المدافعين عن الحكومة، فى الوقت الذى ينتقد فيه بشدة الإعلاميين، الذين يمارسون رأيا نقديا، حتى لو كانوا فى نفس المربع مع السلطة السياسية. والقضية بالمناسبة، لا تتعلق فقط بالإعلام، ولكن بالكلام والنقد، وهناك مزاج غاضب تجاه من ينتقد حتى لو كان قابعا فى مؤسسات الدولة ذاتها مثلما حدث مع النائب سمير غطاس داخل مجلس النواب على خلفية أحاديثه النقدية فى الإعلام، وكذلك التصريحات، التى تصدر من آن لآخر تعبر عن ضيق من مواقع التواصل الاجتماعى، وهناك من نواب البرلمان من طالب بفرض الرقابة عليها.
الإعلام له دور مؤثر فى صياغة تصورات الجماهير، لكن يجب أن ندرك أن الناس نفسها باتت تمارس نقدا للإعلام، ولديها وسائلها فى التواصل الاجتماعى، وثبت من خلال إعلام المواطن نفسه «فيس بوك»، أن بالإمكان خلق رأى عام نقدى تجاه قضية أو ظاهرة بعينها مثلما حدث فى الفترة الأخيرة تجاه أحداث متباينة.
والسؤال هل لو صمت الإعلام سوف تختفى الأخطاء، أم تستفحل وتتحول إلى خطايا؟