العام المقبل فى تونس وبيروت
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 19 أبريل 2018 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
القمة العربية الثلاثون (عام 2019) تعقد فى تونس، ويواكبها فى العام نفسه اجتماع اقتصادى عربى أشبه بقمة موازية فى بيروت. هذا ما تقرر فى القمة العربية التاسعة والعشرين التى اختتمت أعمالها فى الظهران (السعودية) قبل أيام وسماها الملك سلمان بن عبدالعزيز «قمة القدس».
بعد سنة من اليوم، يتوقع المتفائلون اقتراب حلول لمشاكل عربية، بعد وصول الصراعات إلى طريق مسدود، فتندرج الأطراف فى حوار سياسى يشرف عليه المجتمع الدولى الذى ضاق ذرعا ــ خصوصا أوروبا ــ من الانهيارات فى الشرق الأوسط المؤدية إلى إنعاش الإرهاب واستيلاده.
وفى اختيار تونس ولبنان دلالة على الاهتمام بالدولة العربية المدنية الصغيرة المساحة القليلة السكان، ومواجهتها تحديات «الربيع العربى»، التى تفاقمت إلى حد تشكيلها خطرا على الدولة والمجتمع.
ولعل تونس التى كانت سباقة بـ «ثورة الياسمين» على استبداد زين العابدين بن على، حافظت على هيكلية الدولة والمجتمع، فى حين تردت أحوال دول أخرى، ووصل بعضها مثل ليبيا وسوريا إلى أشكال عدة من التفتت.
ويشكل صمود الديموقراطية التونسية نوعا من المعجزة فى وطن له تجربة فريدة فى العلمنة التى تحفظ الشخصية الوطنية بتراثها القديم والحديث.
وتخوض تونس معارك يومية فى الاقتصاد والفكر السياسى والأمن، لتعصم نفسها من المصير المأسوى الذى آلت إليه جارتها ليبيا. وسلاح التونسيين هو الثقافة الوطنية الراسخة التى دفعت حزب النهضة «الإخوانى» إلى الاندراج طوعا أو كرها فى آلية الديموقراطية وتداول السلطة، فحين حكم «النهضة» عقب ثورة 2011 أدرك مباشرة عجزه عن استيعاب تنوعات المجتمع والسيطرة عليها، ولم تسمح له تقاليد الشعب التونسى باللجوء إلى الأسلوب الذى اعتمده «الإخوان» لاحقا فى مصر بالاستيلاء تدريجا على السلطات الحكومية والشعبية وضرب رموز الدولة الحديثة وثقافتها.
ولم يلجأ «النهضة»، على رغم أخطائه الكثيرة وتشجيعه المتطرفين الإسلاميين الكثر فى تونس، إلى رفض تداول السلطة، فأذعن لنتائج الانتخابات، واستمر شريكا فى البرلمان ومؤسسات المجتمع، فيما دفع عناد «الإخوان» المصريين وغرورهم إلى انفصالهم عن المجتمع المصرى العميق الذى لفظهم بتظاهرات غير مسبوقة سمحت بانقضاض الجيش على حكمهم. ولم يأسف على ذلك سوى حلفائهم الخارجيين وبعض قواعدهم المنكفئة والمعزولة عن العالم.
قمة عربية فى تونس، تعنى دعم الحكم الديموقراطى فى ذلك البلد وإنقاذ مجتمعه من ضغوط الجوار الليبى والتقليل من نزعات الإرهاب لدى قطاع من التونسيين الحاضرين فى صلب التنظيمات الإسلامية المسلحة التى تهدد العالم بلا استثناء. ويؤدى الدعم العربى لتونس، إلى تشجيع الليبيين على إنقاذ بلدهم وتحريره من الإرهاب، وإلى تطمين الجزائر والمغرب بأنهما فى صلب التحالف الانقاذى العربى وليسا على هامشه.
وبواسطة دول شمال إفريقيا ومجتمعاتها، يبعث التحالف العربى برسالة صداقة إلى القارة السمراء التى تخلى عنها العرب فى العقود الأخيرة وتركوها عرضة لصداقات دول لا يخفى بعضها العداء للعرب والرغبة باستخدام إفريقيا جبهة حرب بالاقتصاد والسياسة للمزيد من إضعافهم.
ويأتى اختيار لبنان لاستضافة اجتماع اقتصادى عربى، بمثابة دعم للوطن الصغير الذى ما كاد يتحرر من الاحتلال الإسرائيلى، حتى جاءت المأساة السورية لتشكل تحديا أكثر خطورة وتعقيدا، خصوصا مع انغماس «حزب الله» اللبنانى فى القتال داخل سوريا ونزوح أكثر من مليون سورى إلى لبنان القريب جغرافيا والشبيه اجتماعيا.
ويشكل عنوان الاقتصاد البداية الصحيحة لدعم لبنان سياسيا، لأن اللبنانيين يدركون بالممارسة بأن وطنهم يتنفس من الرئة العربية، ويلمسون مدى حرص العرب، خصوصا الخليجيين، على سلامة الوطن الصغير، وتشارك فى هذا الحرص دول أوروبا ذات العلاقة الخاصة بلبنان والدول الكبرى الثلاث، الولايات المتحدة وروسيا والصين.
ما يشبه قمة اقتصادية عربية فى لبنان العام المقبل، يمكن اعتبارها إشارة إلى وصول الحروب السورية إلى الحائط المسدود، وإلى شعور إقليمى ودولى بأن الحل آت وسوف يراعى المجموعة العربية باعتبار ما كان يقال من أن سوريا هى قلب العروبة النابض. ولبنان فى هذا المجال منصة سياسية واقتصادية ينطلق منها إعمار سورية بشرا وحجرا. ولا يمكن هنا إهمال العلاقة الخاصة بين لبنان وأوروبا، خصوصا فرنسا، التى ستضغط لعودة الديموقراطية مجددا إلى هذا البلد. صحيح أنه لم يخسر نظامه الديموقراطى تماما، لكنه وضعه على مائدة إيران المتسللة من صراعات زعماء الحرب الأهلية ومن فراغ عربى يستدعى من يملأه.
محمد على فرحات
الحياة ــ لندن