إيران وإسرائيل.. وتهديد الأمن القومي العربي
عبد المنعم المشاط
آخر تحديث:
الجمعة 19 أبريل 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
أنتمى إلى مدرسة فكرية فى الأمن القومى والأمن القومى العربى ملتزمة بأولوية المصالح القومية العليا على ما عداها، وتستند إلى أربعة أعمدة صلبة، الأول أن الأمن القومى لم ولن يقم على القدرة العسكرية وحدها، ولكنه يقوم على بعدين إضافيين هما الإجماع السياسى على الأهداف الوطنية، وإشباع الحاجات الأساسية، وهكذا فإن أية سياسة أمن قومى لا يمكن أن تحقق الأمن إلا بالتكامل بين هذه الأبعاد الثلاثة، الثانى: الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ وهو حاصل جمع الأمن الوطنى للدول العربية أعضاء جامعة الدول العربية، من ثم فإن أى قصور فى أمن أية دولة عربية ينتقص تلقائيًا من سلامة الأمن القومى العربى، وهكذا فإن فجوات الأمن الهائلة فى دول مثل ليبيا والسودان والصومال واليمن وسوريا ولبنان وغيرها ينبغى الإسراع بعلاجها، والثالث، أن دول الجوار غير العربية أى إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا تشكل تهديدًا وجوديًا للدول العربية وأمنها القومى، مع تباين درجة التهديد التى تمارسها كل من هذه الدول سواء منفردة أو مجتمعة، الرابع، المصالح العربية العليا مترابطة ومتكاملة وينبغى أن تسمو على ما عداها، ولا تتعارض البتة مع التغير النسبى للمراكز الجيوستراتيجية أو السياسية لأطراف النظام الإقليمى العربى.
• • •
أثارت الأحداث الأخيرة بين إسرائيل وإيران الجدل من جديد حول مدى العداء ــ إن وجد ــ بين الدولتين، وما إذا كان ما حدث نوع من الغزل بين الطرفين، وعلى حساب الأمن القومى العربى والمصالح العربية العليا، ونحن نقر بأن إسرائيل تشكل التهديد الرئيسى للأمن القومى العربى، وأنها تتحالف مع دول الجوار غير العربية ومنها إيران لوأد أية صيغة قومية للأمن القومى العربى، بل وتشكيل تهديد مشترك له، فإسرائيل دولة احتلال للأراضى الفلسطينية والعربية، ودولة توسعية على حساب الأراضى العربية، ويقوم وجودها على نفى وإنكار الآخرين، وهى دولة تمتلك أسلحة نووية كمخزون استراتيجى لاستخدامه ضد جيرانها العرب، واستراتيجيتها تقوم على السعى إلى تفكيك الوطن العربى، تساعدها فى ذلك دول الجوار غير العربية خصوصًا إيران، وذلك ببث الفرقة والعداوة والبغضاء بين الدول العربية وداخلها باستخدام الشقين المذهبى من ناحية وتوظيف المنظمات والتنظيمات التابعة لبث الحروب الأهلية.
لا شك أن التهديد الرئيسى الذى تشكله إسرائيل يتم بمباركة ومساندة وتأييد الغرب الذى لا يزال طامعا فى الموارد العربية ومستمرا فى حصار الصين وروسيا لإبعادهما عن الوطن العربى وتفويت أية فرصة أمامهما لمد نفوذهما ووجودهما العسكرى فى المنطقة. وتلعب إيران وتركيا وإثيوبيا دورًا مساندًا للدور الإسرائيلى بصورة مباشرة أحيانًا وخفية أحيانًا أخرى، ولكنها تصب فى خلق حالة اعتماد عربى دائم على الغرب فى صد التهديدات المتوقعة بما فى ذلك السماح بوجود قواعد عسكرية أجنبية خارج السيادة الوطنية أو تواجد بحرى مكثف فى المياه الوطنية العربية، ففضلاً عن أن إيران تحتل 3 جزر تابعة للإمارات العربية المتحدة، فإنها تتواجد عسكريًا فى اليمن ولبنان وسوريا والعراق، بصورة دفعت الغرب إلى إقناع بعض الدول العربية بأنها التهديد الرئيسى لأمنها وليست إسرائيل.
وهكذا فإن حالة عدم الاستقرار تلك دفعت الدول العربية لأن تتربع على عرش الدول المستوردة للسلاح وخصوصًا السلاح الأمريكى ثم الأوروبى، ومن المعلوم للكافة أن المجمع العسكرى الصناعى الأمريكى والأوروبى يدفع إلى تكثيف عوامل التهديد توطئة لتجارة سلاح أكثر رواجًا، حيث تساهم الولايات المتحدة وأوروبا بما يربو إلى 73% من التجارة الدولية للسلاح. ونظرا للخدمات الاستراتيجية التى تؤديها إيران للغرب ولإسرائيل، لم تقم أى منها بالنيل من البرنامج النووى الإيرانى، وربما تكون نقطة الخلاف الرئيسية بين إيران من ناحية والغرب من ناحية أخرى هى علاقات إيران الوثيقة بكل من روسيا والصين، ومع ذلك فإن مداها لا يزال تحت المجهر الغربى.
• • •
تلعب تركيا دورًا جوهريا فى تشبيك العلاقات والتفاعلات الإيرانية بكل من إسرائيل والغرب، وقد برز ذلك بوضوح فى رسائل الطمأنة التى تم تبادلها بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الضربة العسكرية الإيرانية الانتقامية ضد إسرائيل، وكيف اتفق الأطراف جميعًا على حجمها ومداها وأهدافها عبر الوسيط التركى، وتتدخل تركيا فى شئون ليبيا ودول فى شرق المتوسط وفى شرق إفريقيا، كل يحاول تحقيق مصالحه على حساب المصالح العربية العليا، ولا تزال تركيا تحتل أجزاء من سوريا وتبرر بذلك احتلال الولايات المتحدة لجزء آخر يعد المصدر الأكبر لإنتاج النفط فى سوريا، وتركيا عضو فى حلف الناتو وتتحرك استراتيجيا فى المشرق العربى وإفريقيا بما يتوافق مع استراتيجيته وأهدافه العليا، ومع كل ذلك تحظى تركيا باستثمارات خليجية وفيرة تدفع باقتصادها إلى النمو بمعدلات أعلى.
• • •
الخطر الإثيوبى لا يخفى على أحد، وفوق التهديدات التى تنبع من مشروعات السدود على النيل الأزرق على تدفق مياه النيل إلى كل من مصر والسودان فإنها تسعى إلى شرعنة صومالى لاند المنشقة عن دولة الصومال، وذلك بعقد مذكرة تفاهم بخصوص إعطائها منفذًا بحريًا لإقامة قاعدة عسكرية وتواجد بحرى يمدها برئة تخرجها من عزلتها بعيدا عن المياه، ويبدو أنها تلعب دورًا فى استمرار الحرب الأهلية فى السودان وذلك بمساعدة ومساندة قوات الدعم السريع المنشقة عن دولة السودان.
• • •
إن التهديد الإسرائيلى للأمن القومى العربى إما منفردًا أو بالتنسيق مع دول الجوار غير العربية والأحداث الأخيرة بين إسرائيل وإيران يثير تساؤلات جادة حول كيفية إدارة وتحقيق المصالح العربية المشتركة وتعظيم الأمن القومى العربى، لاغرو أن الظروف الدولية والإقليمية الجارية تستحث صانعى القرار العرب أن يعقدوا العزم على الاستفادة منها للتفكير الإبداعى فى لم الشمل، وتكتيل الجهود والطاقات المشتركة للوصول إلى أفضل الصيغ وأكثرها براجماتية لمواجهة محاولات التطويق وإعادة التشكيل الخارجية، وهى حقيقية، والإعلاء من المصالح القومية العليا، بغية الحفاظ على الأمن القومى وتفعيله وصيانته واستدامته، وليس من المبالغة فى شىء القول بأن مستقبل الأجيال العربية الجديدة معلق على رؤى صانعى القرار العرب للتهديدات الخارجية وطرق وأساليب مواجهتها، وقراراتهم بشأن إدارة العلاقات العربية الإسرائيلية، والعربية بدول الجوار غير العربية.