وتحطمت الأساطير مع العدوان
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأربعاء 19 مايو 2021 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
رب ضارة نافعة، فإذا كان العدوان الإسرائيلى على فلسطين خصوصا غزة، قد تسبب فى خسائر كثيرة للفلسطينيين فى الأرواح والبيوت والممتلكات والبنية التحتية، فإن مقاومة الفلسطينيين الباسلة للعدوان، أسقطت العديد من الأساطير وفى مقدمتها ما سمى بصفقة القرن التي كان هدفها الجوهري تصفية القضية الفلسطينية.
العدوان وحشى وهمجى وبربرى وعنصرى، لكن الثمن الذى دفعته إسرائيل فادح جدا، وخسائرها ستكون باهظة على المدى البعيد.
قبل العدوان كان الإسرائيليون ومعهم حكومات ونخب ومثقفون عرب كثيرون، يعتقدون أن القضية الفلسطينية، قد انتهت إلى غير رجعة وتم تصفيتها إلى الأبد، وأنه حان الوقت ليدرك الفلسطينيون أن زمن حل الدولتين قد سقط تماما، وعليهم تقبل مصيرهم ،والذوبان فى دولة الاحتلال.
اعتقد الجميع أن تصورات وخيالات وأوهام ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر، وغلاة الصهاينة فى إدارته، ومعهم بنيامين نتنياهو بشأن صفقة القرن ستتحقق، حتى لو كان ترامب قد خسر وغادر البيت الأبيض.
لكن العدوان ورغم قسوته قد واجه مقاومة عنيفة من الفلسطينيين خصوصا المواطنين العاديين، كما رأينا فى حى الشيخ جراح. هؤلاء المواطنون قالوا للاحتلال والعالم أجمع أنه طالما أن هناك شعبا باقيا فإن القضية لن تموت.
الأسطورة الثانية التى سقطت خلال هذا العدوان هى أن العلاقات التى أقامتها الحكومات العربية فى الشهور الماضية مع إسرائيل، ستؤدى بصورة آلية إلى سقوط حقوق الفلسطينيين وتركهم فى العراء ليواجهوا مصيرهم المحتوم، لكن وبما أن العدوان نفسه قد فشل فى إنهاء القضية الفلسطينية، فإن هذا التطبيع المجانى قد فشل بدوره فى تحقيق الأهداف، التى كانت تحلم بها إسرائيل.
كانت الحكومات التى سارعت بالتطبيع تمنى نفسها بالحصول على مزايا وهدايا وحوافز مختلفة من أمريكا والغرب وإسرائيل، لكن مشاهد العدوان الإسرائيلى الغاشم جعل هذه الحكومات، تبدو فى صورة صعبة جدا أمام شعوبها، بل ربما حتى أمام نفسها.
الأسطورة الثالثة التى سقطت هى أن الجيش الإسرائيلى قادر على فرض كلمته فى كل لحظة داخل الأرض المحتلة وخارجها. صحيح أن آلة الحرب الإسرائيلية جبارة ومدمرة وفتاكة، وأوقعت بالفلسطينيين خسائر بشرية ومادية فادحة، لكن المفارقة أن هذا الجيش المصنف الأول فى المنطقة، لم يكن قادرا على منع صواريخ بدائية أنتجتها المقاومة فى ورش محلية وبتكلفة زهيدة، مقارنة بثمن الأسلحة الحديثة الموجودة فى مخازن الجيش الإسرائيلى.
قبل العدوان كانت المقاومة قادرة على ضرب المدن الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة مثل عسقلان وسديروت، لكن المفاجأة أن الصواريخ وصلت تل أبيب نفسها، وهددت منشآت حيوية مما اضطر سلطات الاحتلال إلى تعطيل العديد من الرحلات الجوية لمطاراتها، كما وصلت الصواريخ الفلسطينية إلى مدن مثل بئر سبع فى النقب.
الأسطورة الرابعة والمهمة التى سقطت خلال العدوان هى اعتقاد إسرائيل أن عرب 48 أو عرب الداخل قد ذابوا تماما فى المجتمع الإسرائيلى، وكادوا يصبحون إسرائيليين أقحاح، لدرجة أن البعض يطلق عليهم زورا «عرب اسرائيل». ثم استيقظ الإسرائيليون على كابوس مريع حينما انتفض فلسطينيو الداخل، للتضامن مع إخوتهم وأشقائهم فى القدس والضفة وغزة، ورأينا حرب شوارع فى مدن 48 خصوصا اللد التى تمردت على الاحتلال، وبعثت برسالة واضحة أن هؤلاء عرب وفلسطينيون وسيظلون كذلك رغم مرور 73 عاما على زرع إسرائيل فى المنطقة عام 1948.
وأظن أن هذا المتغير هو أكثر ما سيؤلم ويوجع ويزعج إسرائيل. لأنه ينسف مجمل الأسطورة الإسرائيلية من الأساس، ويجعل الاحتلال يفكر مليون مرة قبل أن يتعامل مع هذه المناطق باعتبارها جزءا من كيانه، بل قد يقود إلى تفتت الكيان العنصرى الصهيونى نفسه من الداخل، اذا ما وجدت ارادة عربية حقيقية موحدة.
هذا العدوان اكد همجية جيش الاحتلال الاسرائيلي، كما اكد ايضا زيف وبطلان ان "اسرائيل واحة الديمقراطية في صحراء الاستبداد العربية"!
لا يعنى ذلك أن الأمور سهلة، أو مثالية «فالتوحش الإسرائيلى فى أشد تجبره، والمجتمع الدولى إما عاجز أو متواطئ، والعرب فى قمة الضعف والتخاذل، ورغم ذلك فإنه وبعد حوالى أسبوعين من العدوان المتواصل، فإن الأسطورة الخامسة والأهم هى أن الفلسطينيين أثبتوا أنه يمكن بمزيد من التوحد والتنظيم والمقاومة السلمية والمتنوعة أن يهزموا هذا المشروع الصهيونى العنصرى الإحلالى رغم كل جبروته وقوته وعلاقاته وموارده، ورغم كل الانقسام والتشرذم العربى، شرط أن يتوحدوا وأن يجدوا دعما عربيا حقيقيا.