ما بين ثورة ومؤامرة

صلاح ابو الفضل
صلاح ابو الفضل

آخر تحديث: الأربعاء 19 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا يزال الحوار المستعر فى الشارع المصرى وإعلامه يدور فى حلقات مفرغة، يعيد ويزيد وينتهى إلى ما بدأ به، تاركا الإرهاق على وجوه المتكلمين والحيرة فى عيونهم. وينعكس ذلك فى هبوط بدأ البعض يرصدونه فى نبض الشارع. وقد نصل قريبا إلى مأزق جديد فتفرض الظروف علينا اختيارا مستحيلا آخر بين المشاركة فى انتخابات سيجرى تزويرها أو مقاطعتها والاكتفاء بالبكاء على أطلال الديمقراطية، وهو مأزق واجهناه عند استفتاء التعديلات الدستورية المشئوم ثم تكرر عند الاختيار بين المر والأمرِّ منه فى انتخابات الرئاسة وأخيرا عند الاستفتاء على الدستور المسلوق.

 

 وشيئا فشيئا تتكشف أبعاد أعقد دراما مرت بها مصر فى ذلك الأسبوع النادر من يناير 2011. حين توازى حدثان فريدان لا تزال وقائعهما تدوى ولا يستقر لها قرار. فما أن اندلعت ثورة الشعب عند منحنى الخامس والعشرين، تبشر بهلال فجر جديد للوطنية المصرية حتى بدأت وقائع مؤامرة موازية، أمريكية إخوانية، استخدمت المجلس العسكرى للاستيلاء على الحدث وعلى السلطة وعلى مستقبل مصر. وبينما كان الشباب المصرى يواجه ببسالة خراطيم المياه وقنابل الغاز وطلقات الرصاص تلكأ الإسلاميون عن عمد فى الانضمام للثورة، حتى إذا انهارت قوات الأمن المركزى وخارت عزيمة الداخلية انطلقت جماعات مسلحة من الإخوان وحماس تقتحم سجون مصر ليلة 28، وتطلق منها سجناء الإخوان والتيار الدينى وكثيرين من القتلة والخارجين على القانون. وقيل وقتها إن حبيب العادلى فعل ذلك لتعم الفوضى فى البلاد انتقاما من المصريين. وتداعت الأحداث بعد ذلك لتصب فى هدف المؤامرة التى كانت جاهزة لتلقف ثمرة الثورة حين تنضج. فجلس ممثلو الإخوان مع عمر سليمان يتفاوضون على إخلاء المصريين من الميدان مقابل نصيب فى كعكة الحكم، لكن الطاغية سقط فادعوا انتماءهم للثورة. وفوجئت القوى الوطنية التى لم تكن مستعدة لتسلم السلطة فتركت الأمور للمجلس العسكرى وانهمكت فى مليونيات لا تنتهى وحوارات لا تنقطع بحثا عن وجهة الثورة. وتصرف المجلس بطريقة لا تزال لغزا محيرا عندما أعطى الإخوان مقعد القيادة فى لجنة لتعديل الدستور بعد سقوط مبارك بأربعة أيام. وبعدها بأربعة أسابيع فقط هاجمت الشرطة العسكرية شباب الثورة فى الميدان وقبضت على الفتيات وأخضعتهن لكشوف العذرية. بينما جلس قائد عسكرى إلى جانب شيوخ السلفية يلطف من واقعة حرق كنيسة معتمدا ذلك ضمنيا كأسلوب للسلفيين فى إثبات وجودهم على الساحة.

 

●●●

 

 وتتابع مسلسل الخداع فحازوا أغلبية البرلمان قبل الدستور، لكن القوى الوطنية تشبثت بشعار إيد واحدة، وإن ظلت حائرة بين ما رصدته من تعاطف المجلس العسكرى مع الإخوان وبين مباريات شد وجذب بينهما كانت تتيح لهذه القوى أن تكذب نفسها وتنفى شبهة التفاهم الكامل. وفى غيبة القيادة والإستراتيجية الواضحة ظلت هذه القوى تتطلع للمجلس، تضيق أحيانا بتخبطه وتثور أخرى على شواهد استسلامه للضغط الأجنبى بتحويل المسار نحو الإخوان. وتأرجح الثوار بين فكرة الخروج الآمن كدليل على هذا التفاهم بين المجلس والإخوان وفكرة استمرار العسكريين فى الحكم كدليل على مسافة تفصل بين الطرفين. وكانت هذه الحيرة أكثر ما فتّ فى عضد الثوار الذين انقسمت صفوفهم بين مؤيد للعسكر رغم كل الشواهد وبين لائم لهم على كل شىء، وتعذب كثيرون بالشكوك وهم الذين ولدوا وعاشوا على حب القوات المسلحة، فهتف منهم من هتف ضد ما سمى بحكم العسكر وكان الأحرى بهم أن يهتفوا لتحرير إرادة الجيش من التدخل الأجنبى.

 

وسقط مزيد من المصريين فى ماسبيرو ومحمد محمود، ثم قامت كتائب حازمون بعمليات حرف الأنظار وإرباك المشهد السياسى حتى جاءت انتخابات الرئاسة فتدافعت رموز عديدة للترشح، ونقض الإخوان تعهدهم بعدم الترشح. وراهنت كل فصائل الثورة على فشلهم بينما راهنوا على انقسامها. وسارت أمة بأكملها على طريق ملأه ضباب الشقاق، وغابت الرؤية للصلة الوثيقة بين مؤامرة الخارج ومؤامرة الداخل، وهى نقيصة تاريخية اتسمت بها القوى الوطنية المصرية عبر العصور، ووصل المصريون لاختيار مستحيل بين رمز إسلامى ورمز عسكرى. ولم ينتبهوا لمعنى ما حدث فى ليبيا ولا للمؤامرة التى تجمعت على حدود سوريا ولا لنظرية الفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط الجديد، وجاءت القرعة على الرمز الإسلامى.

 

●●●

 

والآن حصحص الحق ونقض الرئيس الإسلامى كل وعوده، خرج على الدستور والقانون وبدأ حملة ضارية على الأزهر والقضاء والثقافة، دخل فى ترتيبات غامضة مع حماس واسرائيل، وغض الطرف عن قتلة الجنود المصريين فى سيناء، وهو الآن يعد لشراكة مشبوهة مع قوى أجنبية طامعة فى محور قناة السويس تستعيد كوابيس مشروع حفر القناة، وأخيرا يستمطر السماء بالدعاء فى مواجهة سد إثيوبيا.

 

 القوى الوطنية مهددة بالوقوع فى فخ جديد، فهى تكاد لا ترى غير شواهد فشل الإخوان ويغريها ذلك بالرهان على أنهم سيخسرون فى النهاية، وهو خطأ نفسى قاتل فى الرؤية. فعلى صعيد آخر غير صعيد الفشل يدير الرئيس الإخوانى عملية بالغة الدهاء، فهو قد دأب منذ هرول إلى قصر الرئاسة على خطة التمكين الكامل، غير ملتفت لأصوات الاحتجاج. وما زال يدير قدرا من مسرحيات الخلاف مع العسكر لكى تظل القوى الوطنية معلقة بأمل تدخل الجيش وهو يعلم قبل غيره أن هذا لن يحدث لأن الحليف الأمريكى يؤيده. وقد بدأ حملة علاقات عامة غطت كثيرا من دول العالم.

 

●●●

 

إن إدارة المعركة مع الإخوان على قلب وعقل الشارع المصرى تحتاج لرؤية تبين للمصريين الفرق بين ثورتهم والمؤامرة عليهم، وتبلور موقفا واضحا من المؤامرات الأمريكية على المنطقة. فمثلا كيف نؤيد ما نسميه ثورة فى سوريا لإسلاميين تمولهم قطر وتدعمهم أمريكا بينما نرفض تأييدهما للإخوان على أرضنا.

 

إن الرهان على فشل الإخوان بدون قيادة واضحة للمعارضة ورؤية منطقية للواقع لن يفيد وقد يفضى للهزيمة.

 

 

 

طبيب نفسى مقيم فى المملكة المتحدة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved