الشناوى
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 يونيو 2018 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
رفض الشناوى حارس مرمى المنتخب القومى المتميز قبول جائزة أحسن لاعب فى أعقاب مباراة مصر وأوروجواى بسبب أن الجائزة مقدمة من شركة خمور، وفى قول آخر إنه قبل الجائزة ورفض قبول زجاجة خمر، فى الحالتين فإن ما فعله يستحق التحية أكثر من النقد الذى صوبه له البعض لأنه فعله يتفق مع معتقده الدينى، وليس مطلوبا تحت لافتة الحداثة أو التمدن أو التحضر أو التقدم أو قل ما شئت أن يقبل المرء ما يخالف عقيدته أو يتناقض مع قناعاته.
الحرية الدينية تقتضى ذلك، كل شخص له الحق فى اختيار طريقة حياته، ملبسه، مأكله، طقوسه، عاداته، لا تثريب عليه، وهو فى ذلك يمارس معتقده، وينتصر لحريته الشخصية. ومن يطالب بالحرية الدينية عليه أن يحترم الحرية الدينية للآخرين أيا كانوا. هذه بديهيات. من هنا من يرفض الخمر هو حر، ومن يطلب الخمر هو حر أيضا، ومن ترتدى ملابس دينية هى حرة، ومن ترتدى غيرها هى حرة أيضا، ومن واجب المجتمع أن يكفل حرية هذا وذاك.
القضية بالنسبة لى ليست فقط حرية دينية، لكنها أيضا مساحة أخلاقية مهمة. فى رأيى أن شركة تنتج خمورا أو دخانا لا يحق لها أن تتمتع بمساحة ظهور لا تستحقها، ولا أن تتمتع بإعلان أو شهرة، أو أن تكون راعية لنشاط رياضى أو تقدم منحا علمية أو ما شابه مما تواضع الباحثون على تسميته بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال لأنها لا تقدم ما ينفع الإنسان، وتضع المجتمعات المتقدمة شروطا قاسية عليها، وعلى استخدام منتجاتها، وتنبه دائما لخطورتها، وتحظر على سن معينة شراء أو استخدام منتجاتها، وتضع قيودا على تداولها، وتخصص أماكن لاستخدامها، الغرض الأساسى من ذلك أن تحمى المجتمع دون أن تعتدى على حرية الاشخاص الذين يريدون استخدام الخمور أو التدخين أو ما شابه. حرية المرء أن يختار النهج الذى يريده فى الحياة، ولكن من حق المجتمع أن يحافظ على نظامه العام، ويضمن السلامة والصحة العامة لمواطنيه. هذه هى المعادلة الصعبة التى دائما ما تسعى المجتمعات إلى تحقيقها.
نعود إلى موضوعنا، وقد نال الشناوى بعضا من النقد، باعتبار أنه يقدم نموذجا متشددا، وقد تكون له آراء متشددة تجاه الحريات العامة فى المجتمع. لا أعرف ما إذا كان ذلك صحيحا أم لا، ولكن لا يصح أن نحمل الأمور أكثر مما نحتمل. مرة أخرى، فالمسألة قناعات شخصية ينبغى احترامها، أما ربط ما حدث بالتقدم أو الحداثة، فهو ربط قسرى غير صحيح، لأن التقدم فى امتلاك العلم والثقافة والاقتصاد والديمقراطية والرفاهية للمواطنين، وليس فى زجاجة الخمر، وبالمناسبة فإن الذين صدروا لنا فكر التقدم هم الذين يقولون ذلك.