ما الذى ننتظره من حكومة شرف الثانية؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 يوليه 2011 - 8:08 ص
بتوقيت القاهرة
الجماهير التى خرجت يوم «جمعة الثورة أولا» كانت لها مطالب عديدة ومحددة ومعلنة فى كل وسائل الإعلام، أقلها أهمية هو تغيير بعض الوزراء. ولكن لسبب غير مفهوم، تحول الموضوع فصار التغيير الوزارى هو القضية.
لا بأس أن يكون ذلك تمهيدا لتغيير فى السياسات أيضا، ولكن الأهم من هذا وذاك أن يعاد النظر فى طبيعة الدور المطلوب من الحكومة القيام به أصلا، حتى لا يستمر تناقض سلوكها مع التوقعات منها، ولا مع الأدوات المتاحة لها.
من حيث تناقض السلوك مع التوقعات، فقد تسلمت وزارة شرف الأولى مسئوليتها فى ظل عدم وضوح لطبيعة الدور المطلوب منها. هل هى حكومة الثورة التى استمدت شرعيتها من التحرير وبالتالى عليها واجب تحقيق مطالب الميدان بسرعة وحسم؟ أم أنها وزارة تكنوقراطية أو وزارة تسيير أعمال لا تسعى لإحداث تغييرات كبرى وإنما لإدارة البلاد فى مرحلة انتقالية، تمهيدا لانتخابات برلمانية ولتسليم السلطة إلى رئيس منتخب وحكومة تستمد شرعيتها من الشعب؟ ولعدم وضوح هذا الدور، فقد جاء سلوك الحكومة متناقضا مع التوقعات منها، فإذا بها تعلن عن إنشاء ممر للتنمية، ومدينة للعلوم، وتغييرات كبرى فى النظام الضريبى، وثورة على وشك الحدوث فى نظام التعليم، وتعديلات على قوانين غير ملحة، وكلها تحولات كبرى طويلة المدى لا تتفق لا مع تحقيق مطالب الثورة السريعة ولا مع فكرة تسيير الأعمال.
وأما من حيث تناقض السلوك مع الأدوات، فإن الوزارة عجزت عن التعامل مع العديد من متطلبات اللحظة الراهنة بسبب قيود واقعية فرضت عليها. فهى كانت حكومة تعمل فى غياب مجلس تشريعى (والمجلس العسكرى حريص على ألا يشرع بأكثر مما تقتضيه اعتبارات الضرورة)، وفى غياب القوة الجبرية المطلوبة لإدارة البلد، كما ظلت قدرتها التنفيذية محدودة، نظرا للشلل الذى أصاب أجهزة الدولة، وأن العديد من القرارات كانت خارجة عن إرادتها، وأخيرا فقد كانت حكومة مكونة من خليط غير منسجم من الوزراء وبالتالى من سياسات ورؤى متنافرة (قارنوا مثلا موقف كل من وزير التضامن ووزير المالية من الضريبة التصاعدية، وموقف كل من رئيس الوزراء ووزير العمل من حق الإضراب).
طبيعى إذن أن تكون النتيجة هى استنكار الناس لعجز الحكومة عن التعامل بسرعة مع المشكلات الملحة، واستنكارا أكبر لانشغالها بمواضيع طويلة المدى ليس هذا وقتها. من هنا اعتقادى بأن القضية ليست تغيير الأشخاص ولا حتى تغيير السياسات، بل الأهم أن يكون هناك اتفاق فى المجتمع ولدى الرأى العام حول طبيعة عمل الحكومة فى المرحلة الانتقالية، وبالتالى ما يمكن أن نتوقعه منها خلال الأشهر القليلة القادمة. ولتحديد هذه المهمة، يجب الرجوع إلى أصل الموضوع، وهو أن الثورة جاءت لكى تحقق انتقالا فى الحكم من الاستبداد إلى الديمقراطية، وتضع حدا للفساد، وتحقق العدالة الاجتماعية.
والخطوة الأولى فى تحقيق ذلك ــ والتى يجب أن يلتف المجتمع كله حولها ــ هى أن يتم انتخاب برلمان ورئيس جمهورية وتعيين حكومة تعبر عن اختيارات الشعب وتكتسب شرعيتها منه. هذه الحكومة المنتخبة هى التى تملك اتخاذ القرارات الكبرى المتعلقة بتغيير النظام الاقتصادى وطرح سياسات اجتماعية طويلة المدى. لذلك، ومن هذا المنظور فإن حكومة المرحلة الانتقالية يكون عليها أن تركز عملها فى خمس مهام رئيسية:
المهمة الأولى: هى الاستمرار فى جهود إعادة الأمن، والتى برغم تواضعها حتى الآن إلا أن المأمول أن تتسارع عقب حركة الشرطة الأخيرة. فبدون التقدم فى هذا الملف لن تكون هناك انتخابات، ولا اقتصاد، ولا حتى استمرار لتحقيق مطالب الثورة، وإنما تصاعد فى البلطجة والمؤامرات وفى ترويع الناس بما يشغلهم عن الاستمرار فى المطالبة بتحقيق الديمقراطية، بل قد ينفرهم منها.
المهمة الثانية: هى وضع الإطار السليم الذى يمنح المجتمع حقه فى استكمال محاكمات المتهمين فى قضايا الفساد السياسى والمالى وقتل المتظاهرين بشكل سريع وناجز وفيه شفافية كاملة، كما يمنح المتهمين فى ذات الوقت حقهم فى المحاكمة العادلة.
فبغير اطمئنان الناس إلى أن العدالة قد تحققت لن يمكن الخروج من المرحلة الانتقالية والبدء فى التفكير للمستقبل. ومهمة الحكومة هنا ليست الانشغال بقضايا بعينها مطروحة أمام القضاء، وإنما تهيئة الظروف وتوفير الموارد ووضع الإطار الأمنى الذى يمكن القضاء من القيام بدوره مستقلا.
المهمة الثالثة: هى إعطاء الأولوية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى أقرب وقت وفى أفضل ظروف ممكنة.
هذا هو بيت القصيد لوزارة تسيير الأعمال، أو وزارة المرحلة الانتقالية، لأنها فى نهاية الأمر تقوم بعملها إلى حين وضع آليات ديمقراطية لاختيار حكومة تمثل الشعب. وتنفيذ ذلك يتطلب أن تحسم الحكومة أمرها ــ بالتنسيق مع المجلس العسكرى ــ فى عدة أمور عاجلة: موعد إجراء الانتخابات، والنظام الذى سوف تتم بموجبه، وشروط المرشحين، وضوابط التمويل، وتقسيم الدوائر، ومشاركة المصريين فى الخارج. تأجيل حسم هذه المواضيع ينتقص من مصداقية الانتخابات المقبلة، لأن الغموض لا يحقق مصلحة أى طرف يرغب فى انتخابات نزيهة وحرة.
أما المهمة الرابعة: فهى التعامل مع الوضع الاقتصادى. والهدف لا ينبغى أن يكون تطبيق سياسات هيكلية أو تغييرات جذرية فى ظل حكومة انتقالية، ليس فقط لضيق الوقت وإنما الأهم لأنها ليست حكومة منتخبة، وبالتالى لا يجوز أن تأخذ من القرارات ما يحدد مصير البلاد لسنوات وعقود قادمة. الأولوية يجب أن تتجه لوضع الإجراءات الفورية لتنشيط الاقتصاد بما يخدم الصناعات الصغيرة والمتوسطة المهددة بالتوقف، ويشغل جيوش العاطلين فى قطاعات البناء والسياحة والصناعة، ويبعث برسالة واضحة للمستثمرين فى مصر وخارجها بأن البلد قد يكون مقبلا على تغييرات فى السياسة الاقتصادية تحقق المزيد من العدالة الاجتماعية، وأن هذا بلد سوف يحترم القانون والملكية الخاصة والحقوق المكتسبة على نحو سليم، وأن الاستثمار الذى يحترم قوانين البلد ويساعد فى التنمية الاقتصادية سيكون موضع ترحيب، كما يبعث برسالة أن حق العمال فى التنظيم وتكوين النقابات وفى الإضراب ليس محل نقاش.
وأخيرا نأتى للمهمة الخامسة: وهى المتعلقة بالعدالة الاجتماعية. وهنا يجب التروى فيما نطلبه من حكومة انتقالية. فليس من الممكن خلال أشهر قليلة أن يتم تنفيذ سياسات اجتماعية جديدة يلزم لتحقيقها سنوات وتنفيذ شاق ودقيق. ولكن الممكن أن نطلبه هو أن تتخذ حكومة شرف الثانية الإجراءات الضرورية والاستثنائية لتحسين أوضاع الأسر والأفراد الأكثر فقرا أو الأكثر تأثرا بالظروف الاقتصادية الحالية، خاصة العاملين باليومية، والمتوقفين عن العمل فى السياحة والبناء، والعائدين من ليبيا، والعاملات فى المنازل، والعمال فى القطاعات غير الرسمية، وغيرهم ممن يلزم التدخل لصالحهم بشكل استثنائى لحين إعادة تشكيل السياسات الاجتماعية للدولة.
هذه المهام الخمس هى أهم ما يمكن أن تقوم به حكومة شرف الثانية بحيث تنفذ المهمة التاريخية التى تحملت مسئوليتها، وتتجنب سوء الفهم والتناقض الذى وقعت فيه الحكومة السابقة. أما تغيير الأشخاص أو حتى الإعلان عن سياسات جديدة فلن يكون مفيدا لتحقيق مطالب الناس إذا لم نتفق على المطلوب والمتوقع من الحكومة أصلا والصلاحيات المتاحة لها خلال المرحلة الصعبة التى تمر بها البلاد.