وقائع زيارة مفاجئة!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 19 يوليه 2024 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
ما صدمنى بالفعل فيما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعى عن واقعة تعدى السيد اللواء محافظ سوهاج باللفظ على طبيبة تمارس عملها فى العيادة الخارجية هو أن الأمر يتكرر وأن الدرس لم يلتفت إليه أحد: أقصد عددا من تلك الحوادث التى تكررت فى وقت انتشار الكورونا وكيف أن إعلان بعض السادة المحافظين عن إنجازاتهم وتصويرها صوتا وصورة دخل فى مرحلة السباق بينهم: من يهين الأطباء بصورة أكبر ومن منهم يفوق الآخر فى الجزاءات والفصل والرفت! بادر رئيس الوزراء بالاعتذار للأطباء خاصة الطبيبة التى تعرضت للإهانة من محافظ سوهاج رغم أنه وللحق لا يمكن أن يرتكب بنفسه هذا الذنب فقد عرف بالحكمة والتهذيب. جاء الاعتذار مهدئا للخواطر إذ كان اعترافا رسميا بخطأ موظف من أصحاب المناصب الرفيعة فى الدولة.
جاء رد الفعل واضحا سريعا لا لبس فيه فما هو الموقف من السيد المحافظ الذى يمكن أن يعبر بوضوح عن موقف الدولة من أى تجاوز مماثل من مسئول فى حق المواطن المصرى بصفة عامة. الكل يعلم أن المحافظ هو رئيس السلطة المحلية وأنه يمتلك سلطات تخول له مجازاة العاملين فى مؤسسات الدولة الخدمية ومنها بالطبع المستشفيات بعد إحالتهم للتحقيق إذا ما قصروا أو أهملوا أو حتى غابوا فى مواعيد عملهم الرسمية: فهل كان هذا ما حدث؟ للأسف ما حدث كان أشبه بتمثيلية هزلية لم تحقق على الإطلاق الهدف منها بل على العكس تماما سجلت أعلى نسبة مشاهدة وأعلى نسبة استياء من المشاهدين سواء كانوا مواطنين أو مسئولين. متى سيعى السادة المحافظون أن وظيفة محافظ إنما هى فى المقام الأول تعنى أنه ممثل لرئيس الجمهورية فى محافظة: يعمل على تنمية مواردها والتأكد من عدالة وفاعلية كل الخدمات التى توفرها الدولة فيها لمواطنيها؟!.
متى سيكف المحافظون عن الإعلان عن زياراتهم المفاجئة لمؤسسات الدولة يرافقهم حاشية مؤهلة من الصحفيين والمصورين؟!. كيف يمكن أن نقبل أن يحيل محافظ موظفا عاما للتحقيق وهو فى الأصل لا يعلم آليات العمل الذى يجب أن يتبعها الموظف لأداء وظيفته؟ السيد المحافظ انهال على الطبيبة لوما وتقريعا لأنه لا يعرف أن الطبيب لا يمكنه مناظرة مريض دون التعريف به (إصدار تذكرة) وهذا ما طلبته الطبيبة فهى لم تخطئ ولم تتوان بل وجهت أم الطفل إلى الوجهة الصحيحة التى أقرتها الدولة وإدارة المستشفى.
أما الأكثر غرابة فى الأمر فهو توجيه السيد اللواء بتركيب محاليل للطفل؟.. كما لو كان يمنح الطفل حقه الذى منعته عنه الطبيبة المسكينة التى آثرت الصمت فى مواجهة سبل الأوامر واستعدت للتحقيق. تم كل هذا أمام الكاميرا التى سجلت بالصوت والصورة واقعة استحقت أن يعتذر عنها رئيس الوزراء.
ما حدث ويحدث يشير إلى ضرورة وأهمية معرفة آلية اختيار كبار الموظفين فى الدولة وبينهم مديرو المؤسسات الخدمية التى تدعمها الدولة وتستنفذ ميزانياتها إلى مسئولى السلطة المدنية ومنهم بالطبع المحافظون ونوابهم إلى الوزراء أنفسهم الذين يصنعون سياسات الدولة ويتولون تنفيذها ومتابعتها.
وظيفة المحافظ من أهم وظائف الدولة الرفيعة والتى ترتبط ارتباطا مباشرا بالمواطن تبسط له حقوقه وتفرض عليه واجباته. عاصرت فى فترة من حياتى أثناء عملى بمستشفى (نيكير) فى باريس لخمس سنوات وجود جاك شيراك محافظا لمدينة النور «أو عمدة باريس» كان واجهة رائعة للمدينة ترى أثره فى كل أحيائها. كان له موعد أسبوعى يقابل فيه أى مواطن يسكن باريس حتى المهاجرين إليها. لم يدخل مستشفى (نيكير) حسب علمى مرة بدون علم إدارتها. كان داعما دائما للمجتمع المدنى الذى يقدم خدماته متطوعا للمستشفى ومرضاها.
كانت زوجته راعية لجهاز التطوع فى المستشفى وكثيرا ما ألقيت عليها التحية وهى بيننا وناديتها باسمها دون ألقاب «برناديت». لدى اقتراح أتمنى لو تفضل رئيس الوزراء بالنظر فيه: تعيين المحافظين يجب أن يسبقه برنامج تأهيل يصاغ بعناية الغرض منه تأهيل المرشحين لذلك المنصب الهام الرفيع فلا يعين إلا بعد اجتيازه بنجاح يؤهله للعمل فى خدمة المواطن والدولة. (للحديث بقية)