النظام السياسي المصري ليس نظاما عسكريا
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الأربعاء 19 أغسطس 2009 - 10:36 ص
بتوقيت القاهرة
على الرغم من أن النظام السياسى فى مصر ليس نظاما عسكريا بالمعنى المتعارف عليه فى كتابات العلوم السياسية، فإن أسلوب تعامل القيادات الحكومية والسياسية فيه مع المواطنين هو أسلوب يقترب كثيرا من قواعد الحرب، بما فيها من تكتم للقرارات، ومباغتة، وغياب للمناقشة أو المساءلة، وعدم اكتراث مطلق بما يراه أو يفعله الآخرون، مع إصرار كامل على اتباع نفس القرار، أيا كان رأى هؤلاء الآخرين فيه.
والمقصود بالآخرين هنا هم الشعب المصرى بكل طوائفه وطبقاته، وجماهيره ومثقفيه. كل هؤلاء يجرى التعامل معهم كما تتعامل الجيوش المحترفة مع أعدائها على أرض المعركة. ولذلك، فإذا لم يكن النظام السياسى المصرى نظاما عسكريا، فإنه ليس من المبالغة وصفه بأنه مع أتباع هذه الأساليب، فقد أصبح نظاما معسكرا.
لقد جرى تقليص الطابع العسكرى المصرى للنظام السياسى فى مصر فى أعقاب هزيمة القوات المسلحة المصرية، ومعها قوات مسلحة فى دول عربية أخرى، وخصوصا فى سوريا والأردن، كما هو معروف فى حرب يونيو 1967.
فقد رفض الرئيس جمال عبدالناصر عودة قيادات القوات المسلحة ذات المطامح السياسية والتى تمثلت فى المشير الراحل عبدالحكيم عامر وحلفائه فى وزارة الحربية وقيادات الأسلحة الرئيسية وفى المخابرات العامة والاتحاد الاشتراكى العربى، التنظيم السياسى الوحيد فى ذلك الوقت. وأتبع ذلك فى مارس 1968 بإحلال وزراء مدنيين محل عدد من وزراء ذوى خلفيات عسكرية. وفى الواقع ما كان من الممكن المضى فى خلع الطابع العسكرى عن النظام السياسى المصرى فى عهد الرئيس السادات لولا هاتين الخطوتين المهمتين اللتين اتخذهما الرئيس جمال عبدالناصر عامى 1967 و1968 واللذين كانا نتيجة مباشرة لهزيمة القوات المسلحة المصرية فى حرب يونيو 1967.
ولهذا، فإن تعريفات العلوم السياسية للنظام العسكرى لا تنطبق على مصر، فباستثناء رئيس الدولة والذى كان سابقا قائدا لسلاح الطيران، لا يوجد عسكريون فى صفوف الحكومة إلا فى منصب وزير الدفاع، ولا يشغل ضباط سابقون مناصب وزارية إلا فى وزارتى الإنتاج الحربى والداخلية. وعلى الرغم من أن منصبى وزير الدفاع ووزير الداخلية قد تولاهما فى ظل الملكية مدنيون، وأن هذا هو التقليد المتبع فى الدول الديمقراطية، إلا أن ذلك قد يكون مفهوما فى مصر فى الوقت الحاضر، على أساس أن العسكريين هم الأدرى بشئون القوات المسلحة، وأن ضباط الشرطة السابقين هم الأصلح لتولى شئون الأمن الداخلى.
وخارج الحكومة لا يوجد عسكريون حاليون أو سابقون بين قيادات الحزب الوطنى الحاكم أو قيادات معظم أحزاب المعارضة، وذلك مع الاستثناء البارز للسيد صفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطنى الديمقراطى ورئيس مجلس الشورى، والدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وكلاهما خرجا من القوات المسلحة، ولكنهما لا يعتمدان على نفوذ سابق فى القوات المسلحة، بل يمكن القول أن كلا منهما قد برع فى تبنى أساليب السياسة فى أدائه لمهمته. كما يوجد ضباط سابقون بنسب كبيرة فى مناصب الإدارة المحلية كمحافظين ورؤساء مدن، وفى قطاع النفط. ولكن سلطات كل هؤلاء كما هو معروف سلطات محدودة، كما اعترف بذلك أحد المحافظين، كما أن هذه النسبة ليست ثابتة، وهى ترتفع وتنخفض من فترة إلى أخرى، ويمكن القول أن تعيين ضباط سابقين فى هذه المناصب، وكذلك الامتيازات التى يتمتعون بها سواء من خلال وجود أندية ومستشفيات وشواطئ وفنادق خاصة بهم هى وسيلة النظام لمكافأة أعضاء مؤسستين يعتمد عليهما كثيرا لضمان استقراره.
ومن ناحية ثانية، لا يوجد مجلس عسكرى خفى يدير شئون البلاد من وراء ستار، ولا تتدخل القوات المسلحة فى صنع السياسات الداخلية أو الخارجية لمصر. ربما يكون لها دور فى مناقشة مشروع الميزانية العامة، فتطرح فيه مطالبها، ولكن هذا دور مألوف للقوات المسلحة فى معظم دول العالم، وشأنها فى ذلك شأن فاعلين آخرين يهتمون بالحصول على موارد عامة كالوزارات الأخرى والمجالس المحلية، وإن كان للقوات المسلحة وضع متميز فى هذا التنافس على الموارد العامة بحكم أولوية قضايا الدفاع الوطنى على غيرها من القضايا، خصوصا فى الدول التى تواجه تهديدات لأمنها الوطنى، وعلى ضوء كون القوات المسلحة فى الدول غير الديمقراطية الحامى الرئيسى لاستقرار نظمها السياسية.
وقد يقال فى هذا الصدد إن للسيد عمر سليمان دورا بارزا فى إدارة السياسة الخارجية لمصر، فى التعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين وعدد من الحكومات العربية، ولكنه أقرب إلى أن يكون منفذا أمينا لما يريده رئيس الدولة، وليس صانعا لهذه السياسات أو التوجهات.