حلم التغيير فى الساحل

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الخميس 19 أغسطس 2010 - 10:34 ص بتوقيت القاهرة

على طول الطريق الموصلة إلى شاطئ مراسى تنتشر اللافتات الضخمة المكتوبة باللغة الإنجليزية تبشر بقرب تغير الساحل (Sahel is about to change)، وتدعو من يريد التأكد إلى مراجعة موقع المشروع على شبكة الإنترنت.

اللافتات موجهة إلى أصحاب الملايين الذين توجد أمامهم مروحة واسعة من الاختيارات حدها الأدنى شقة خلفية مطلة على الطريق قيمتها مليون ومائة ألف جنيه، وحدها الأعلى فيللا على البحر قيمتها ستة وعشرون مليون وسبعمائة ألف جنيه، وبين هذين الحدين بدائل مختلفة.

أرقام فلكية أجد صعوبة فائقة فى مجرد تدوينها على الورق، فقد كان الظن أن مارينا رفعت سقف الأسعار فى الساحل الشمالى إلى منتهاه، لكن ها نحن نصادف كل يوم مشروعات جديدة تبشرنا بأنه مازالت فى السحب العليا طبقات. الطريف (هل هو طريف فعلا؟) أن 70% من وحدات مراسى ــ بما فيها الفيللات الأغلى سعرا ــ والمطروحة حاليا للبيع قد تم بيعها.

أصبح الحديث عن الدفع بالملايين بسهولة الحديث عن كسبها عبر وسائل كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.

ساقنى إلى مراسى دافعان، الأول هو وداع فندق العلمين القديم الذى تنطلق فى القريب العاجل صافرة البدء لتنشب الجرافات الضخمة مخالبها فى مبناه، فعلى أنقاض هذا المبنى سوف يقام فندق ريتز كارلتون. لم أكن يوما من رواد فندق العلمين ولا قدر لى أن أبيت فيه ليلة واحدة، لكنه بالنسبة لى ولكثيرين غيرى جزء من ذاكرة مصر تماما كما كان فندق سان استيفانو وفندق هيلتون النيل.

شخصيا أعرف بعض الأشقاء العرب أقاموا فى كل المرات التى ترددوا فيها على القاهرة فى هيلتون النيل، ففى ذاكرتهم أن هذا هو الفندق الذى استضاف أول قمة عربية، وهكذا فعندما تتغير إدارته وبالتالى اسمه ينقطع الخيط الرفيع الذى يربط ماضى مصر بحاضرها. قمة المفارقة أن نتهلل لكل كشف أثرى فرعونى وأن نفرط بسهولة فى معالم تاريخنا الحديث، رغم أننا فى الحالتين نتعامل مع أشياء لا تشترى.

الدافع الثانى لزيارة مراسى كان الفضول لمعرفة ما آل إليه أمر الأرض التى أقيم عليها المشروع بعد كل ما أحاط بظروف ملكيتها من هواجس وما ثار حول ظروف بيعها لشركة عربية من لغط. فى موقع مراسى حركة بناء جبارة وعمال ومعدات وبحيرة ومبان تحت التشطيب، وعلى بوابتها فتاة مليحة الوجه تلقى عليها تحية الصباح فتردها عليك بالإنجليزية رغم ملامحك المصرية الصميمة، تتفرس فى بطاقة دعوتك ثم تدعك تمر.

لأول وهلة يصعب عليك أن تلمس أبعاد التغيير الذى ستحدثه مراسى وفق ما يقول الإعلان، ففيها الكثير من معالم القرى المنتشرة على طول الساحل: بحر وبحيرة لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المصطافين للقرب من الماء، مساحة خضراء خلف الشماسى تتناثر فوقها المقاعد الوثيرة للاسترخاء، كل ما يمت للبحر بصلة من ألعاب مائية تبدأ بالمنطاد وتنتهى باللانش وكل ما لا صلة له بقاموس الاصطياف كالمساج والرقص بلباس البحر. أين هو التغيير؟

تبينت لاحقا أن المقصود بالتغيير أمران، الأول إقامة ستة فنادق تمثل فروعا لأكبر الفنادق العالمية منها ريتز كارلتون وأرمانى وإم. چ. إم. والثانى مرسى تقصده يخوت المتجولين عبر شواطئ البحر المتوسط وتستخدمه كنقطة ترانزيت. فالعميل الأجنبى يعد أحد المستهدفين الأساسيين من المشروع، وحاليا يملك أوروبيون من جنسيات مختلفة وحدات فيه.

يوم الأحد الماضى علق د.عبدالسلام جمعة فى جريدة المصرى اليوم على أزمة القمح معتبرا أن حلها يكمن فى زراعة مليون فدان قمحا فى الساحل الشمالى. وفى جريدة الشروق كتب د.مصطفى كامل السيد مقالا فى 12 يوليو تكلم فيه عن إحباط مشروع هولندى لزراعة أرض الساحل والاستعاضة عنه بكتل خرسانية تشكل عبئا على وادى النيل ودلتاه.

ومع بدء تسليم وحدات مراسى بحلول نهاية العام تضاف مجموعة جديدة من الكتل الخرسانية إلى نظيراتها المتكاثرة على طول الساحل كما يتكاثر الفِطر. تكاثر يوسع التفاوت الطبقى إلى حد لا يجد معه أصحاب الثروات ذات الأصفار الخمسة مكانا لهم فى بعض قرى الساحل ويبقى بعد ذلك سؤال عن مردود الاستثمارات العربية فى مصر وحاجته للتقييم فى وقت تستفحل فيه أزماتنا الغذائية بشدة.


فى مصر يرفع السواد الأعظم من الشعب شعار التغيير للمطالبة بالديمقراطية، أما على الساحل فللتغيير مضمون مختلف ومروجون أكثر اختلافا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved