استراتيجية التفوق الأبيض العنيفة آخذة فى التطور

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:39 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع the Atlantic مقالا للكاتب J.M. Berger يتناول فيه تطور العمليات الإرهابية منذ الستينيات وعمليات الذئاب المنفردة والتى باتت منتشرة على نطاق واسع فى الآونة الأخيرة.

تُشكّل عمليات الذئاب المنفردة «الإرهاب الفردى» تهديدا أمنيا متزايدا، حيث إن فكرة الذئب المنفرد تعنى أن الشخص يتحرك من تلقاء نفسه ويمتلك أدواته الخاصة ويخطط هو بشكل شخصى وهو ما يوفر له بدوره قدرا كبيرا من المرونة يمكنه من تنفيذ مهمته بنجاح.
يعُود المفهوم إلى ستينيات القرن الماضى، وتحديدا منذ دعوة المتطرّف لويس بيم «لمقاومة بلا قيادة» للحكومة الأمريكية الاتحادية، ويمكن أن يساعدنا ما كتبه لويس بيم، فى فهم التحدى الذى يمثله الإرهابيون المنفردون، حيث تتنافس الولايات المتحدة والعالم فى عدد متزايد من الهجمات الإرهابية التى يقوم بها إرهابيون منفردون آخرها مذبحة إل باسو بولاية تكساس بالولايات المتحدة، حيث قتل 22 شخصًا، على يد مسلح أبيض.
فى الثمانينيات من القرن الماضى، تم الربط بين بيم وبين جماعة The Order، وهى خلية إرهابية شبه مستقلة نفذت موجة من عمليات السطو المسلح والقتل قبل أن يتم إيقافها أخيرًا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالى. ونقل بعض العائدات من جرائمه إلى المنظمات القومية البيضاء الرسمية.. واعتقادًا من أن أنشطة «The Order» قد تم تنسيقها عن كثب مع قادة حركات التفوق الأبيض، وجهت وزارة العدل إلى 14 شخصية بارزة ــ بما فى ذلك بيم ــ تهمة التآمر والتحريض على الفتنة فى عام 1987. وكانت نتائج المحاكمة البارزة كارثية على الحكومة، وانتهت ببراءة جميع المتهمين.
ونشر بيم مقالا سيئ السمعة بعنوان «المقاومة بلا قيادة» ويمكن تلخيصه فيما يلى:
إن هيكلية «المقاومة» (أى المنظمات ذات التفوق الأبيض) معرضة بدرجة كبيرة للتعطيل من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية القمعية، والتى من خلال التسلل والمقاضاة «سوف تسحق» أى منظمة لديها إمكانية حقيقية لمقاومتها بشكل فعال. والحل لهذه المشكلة هو أن المتطرفين يجب أن يتبنوا استراتيجية للعمل الموجه ذاتيا على المستوى الفردى، أو كجزء من خلايا صغيرة جدا تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض وعن أى منظمة أكبر.
ولا ينبغى لهذه الخلايا والمنظمات الفردية أن تتلقى أوامر من أى شخص آخر فى الحركة، بل يجب عليها بدلا من ذلك تنسيق أنشطتها بشكل مرن بناءً على بنية تحتية مشتركة للمعلومات تضم «الصحف والمنشورات وأجهزة الكمبيوتر وما إلى ذلك».
كما أن الأرقام مهمة فى إطار هذه الاستراتيجية، كما حددها بيم، حيث إن مكتب التحقيقات الفيدرالى سيكون غارقًا فى مطالب التحقيق فى الكثير من الأفراد والمجموعات الصغيرة غير المرتبطة. «ألف خلية صغيرة وهمية... هو كابوس للحكومة»، هكذا كتب بيم.
***
بعد أكثر من ثلاث سنوات بقليل من نشر المقال، حققت الاستراتيجية ما كان، لفترة من الزمن، نجاحًا بارزًا ظهر فى تفجير مدينة أوكلاهوما. لكن تلك الجريمة، التى نفذتها خلية صغيرة، ساعدت فى تسليط الضوء على نقاط الضعف فى هذه الاستراتيجية.
لقد نجحت استراتيجية مقاومة بلا قيادة فى جانب واحد ــ ثلاثة أشخاص فقط أدينوا بأسوأ هجوم إرهابى محلى فى تاريخ الولايات المتحدة وهم: مكفى، نيكولز، وفورتير وعلى الرغم من ذلك، وأثار القصف رد فعل عنيفًا بين المتطرفين اليمينيين المحليين، الذين كانوا يخشون أن يؤدى ذلك إلى نوع من القمع الحكومى الذى حذرت منه استراتيجية «بيم» مقاومة بلا قيادة. وفى هذه البيئة المليئة بالخوف، فإن ما سماه بيم بتفاؤل «ألف نقطة مقاومة» لم يظهر.
استمرت العديد من الجهات فى الظهور بشكل دورى وتنفيذ هجمات بدوافع أيديولوجية فى السنوات التى تلت ذلك، لكن القليل منها نجح على نطاق واسع بما يكفى لجذب الانتباه. وفى الوقت نفسه، ساعد تبنى نموذج «بدون قيادة» على نطاق واسع فى تآكل المشهد المتطرف المحلى اليمينى الذى كان غارقًا بالفعل فى منافسات القيادة الأنانية والاقتتال الإيديولوجى. ونجحت المقاومة بلا قيادة فى مواجهة إجراءات الحكومة المضادة وامتدت الفكرة فى النهاية إلى الحركات المتطرفة فى الخارج. والجدير بالذكر أن أبومصعب السورى، الأيديولوجى الجهادى المرتبط بتنظيم القاعدة، اقترح استراتيجية لا مركزية مماثلة إلى حد ما والتى يشار إليها باسم «الجهاد بلا قيادة».
هنا، أيضًا، فشل المفهوم. أثارت الموجة الأولى من المؤامرات والهجمات الجهادية «الوحيدة» الكثير من النقاش بين المحللين وواضعى السياسات. بعض الهجمات ارتكبها إرهابيون منفردون، ولكن تم توجيه الكثير منهم فى الواقع من قبل القاعدة. الهجمات القليلة نسبيًا التى كانت موجهة ذاتيًا بشكل واضح كانت أكثر عرضة للفشل. تم تصنيف «الذئاب المنفردة» والمقاومة بلا قيادة على أنهما «أكبر تهديد» للأمن القومى الأمريكى.
***
ثم مع دخولنا عصر الإنترنت، تطلب مفهوم بيم الأصلى للمقاومة بدون قيادة «صحف، منشورات، أجهزة كمبيوتر.. إلخ» موزعة على نطاق واسع لنشر الإيديولوجيات المتطرفة ومزامنة أنشطة «الخلايا الوهمية» بلا قيادة عن طريق الإشارة إلى وقت ونوع الإجراء المطلوب.
عندما قام بيم بتقديم مفهوم مقاومة بلا قيادة فى عام 1992، كانت المنصات الإعلامية الوحيدة التى يمكنها تلبية متطلبات استراتيجيته ــ التلفزيون والإذاعة والمطابع التجارية ــ باهظة الثمن وعليها رقابة شديدة.. ومن ثم فإن جميع النشرات الإخبارية وأشرطة الفيديو وبرامج الإذاعة للعنصريين البيض لم تصل إلا إلى جزء ضئيل من السكان.. ومع دخولنا عصر الإنترنت. كان المتفوقون البيض هم أوائل من أداروا المنتديات التى تروج لأهدافهم. وفى حين ساعدت هذه المنتديات على توفير بعض الاستمرارية فى الحركة خلال السنوات التى تلت تفجير مدينة أوكلاهوما، إلا أنها لم تحقق الهدف المنشود. وغيرت منصات التواصل الاجتماعى المفتوحة قواعد اللعبة.
كان الأمر الأكثر دراماتيكية هو صعود الدولة الإسلامية، التى تم إضفاء الطابع الرسمى على انقسامها البطىء عن القاعدة فى أوائل عام 2014 وسط حملة إعلامية اجتماعية قوية. انتقل داعش بسرعة من التغريدات الآلية إلى أشكال أكثر تطورا من التوظيف عبر الإنترنت، باستخدام فيسبوك وتويتر ومنصات أخرى لتجنيد أعضاء جدد ونشر أفكارهم وحث المؤيدين عبر الإنترنت على تنفيذ الهجمات بنجاح. وتم إساءة فهم بعض هذه الهجمات مرة أخرى على أنها هجمات بدون قيادة أو هجمات فردية، فى حين تم توجيهها بشكل منهجى إلى حد كبير من خلال التسلسل الهرمى للمنظمة.
وفى الوقت نفسه، كان العنصريون البيض يتزايد استخدامهم للإنترنت. وعلى الرغم من أن العديد من الشخصيات والمنظمات ذات الأصول القومية البيضاء لديها حسابات على تويتر وفيسبوك إلا أنه بحلول عام 2016، تزايدت أعدادهم بشكل كبير وبحلول عام 2018، ظهر مئات الآلاف من المتطرفين العنصريين على منصات التواصل.
فى عام 2011، نفذ أنديرس برينج بريفيك، عنصرى متطرف مناهض للمسلمين، بهجوم إرهابى منفرد أسفر عن مقتل 77 شخصًا.. ومنذ هجوم بريفيك، قامت مجموعة من الإرهابيين بتكرار شكل السجل المكتوب الذى تركه وراءه، وأسلوب الهجوم. وقام عدد كبير من المتطرفين، سواء من القوميين البيض أو الجهاديين، بمذابح مسلحة منفردة دون قيادة واضحة، بما فى ذلك على سبيل المثال لا الحصر، مذبحة فى معبد السيخ فى ويسكنسن فى عام 2012، وكنيسة تشارلستون فى 2015، وإطلاق النار فى سان برناردينو فى ديسمبر 2015.
ومؤخرا نشر الإرهاب مرتكب مذبحة مسجد كرايستشيرش بيانًا فى مارس 2019 استشهد مباشرةً ببيان بريفيك. فى أبريل، نشر مهاجم كنيسة بواى بيانًا يستشهد فيه بوثيقة كرايستشيرش كمصدر إلهام، ومنفذ هجوم إل باسو فعل الشىء نفسه. وأدت الهجمات الأخيرة إلى مطالب باتخاذ إجراءات قاسية ضد الحركات القومية البيضاء.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى

النص الأصلى:

https://bit.ly/2Z1NcQq

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved