خط عام 2020
تمارا الرفاعي
آخر تحديث:
الأربعاء 19 أغسطس 2020 - 8:23 م
بتوقيت القاهرة
يتخلل كثيرا من الأحاديث الحالية سؤال عن إمكانية انتهاء عام 2020 بسرعة، هو سؤال يحمل أمنية أن تطوى صفحة عام حمل الكثير من القلق، عام تصدرت أيامه أحداث درامية لا يقدر أن يحبكها أفضل مخرج. متى سوف ينتهى هذا العام، سؤال يراد منه إنهاء مكالمة حملت خبر موت قريب، وسؤال مفتوح ينتهى معه نقاش حول تردى أحوال البلد والمنطقة والعالم. حتى أن صور المناسبات السعيدة يبدو أنها قلت على صفحات التواصل الاجتماعى لتحل مكانها تعازى لا تنتهى. أم أن مستخدمى العالم الافتراضى باتوا يترددون قبل نشر أخبار شخصية فرحة خوفا من جرح شعور الآخرين أو من حسدهم؟
***
فى زخم الأحداث لا أعرف إن كان ثمة سنوات أكثر أو أقل سوءا من غيرها، لا أعرف إن كانت باستطاعة أحداث سعيدة أن تلون عاما بأسره فى الذاكرة، كأن أقول مثلا أن سنة 2008 هى من أسعد السنوات لأننى أنجبت خلالها طفلى الأول، أو أن عام 2004 كانت من أسوأها عندى لأننى فقدت وقتها صديقة. ما أعرفه هو أن عام 2020 يبدو وكأنه يتحدى البشر والبشرية ويقيس قدرة العالم ككتلة على التحمل. ثمة صخرة عملاقة تجلس فوق سنة 2020 كلها، بعض من تحتها لديه قدرة أكبر على إيجاد حلول صغيرة وفردية ومؤقتة للتعامل معها بينما تهرس الصخرة من هم الأكثر هشاشة وأقل حظا.
***
متى ينتهى عام 2020 يعنى أمنية أن يكون العام التالى أقل قسوة، فيحمل السؤال شبه تأكيد أن ثمة من سيزيح الصخرة ويزيل الغمة ويركل الغيمة من فوقنا بمجرد وصولنا إلى يوم 31 ديسمبر. يعيد السؤال إلى ذهنى سلسلة من الألاعيب التى أقوض بها شعورى بالقلق والتى لطالما استخدمتها فى سنواتى الأولى لأتحايل على أمور لم أكن أفهمها. كأن أقول لنفسى مثلا أننى إن أغلقت عينى وعددت حتى الـ 100 فإن أمى ستعود إلى غرفتى المظلمة وتوقظنى بعد أن تكون الليلة قد مضت. أو أن أقول لنفسى إننى لو نمت خمس ليالى فسوف يعود أبى من السفر.
***
العلاقة بالزمن فيها الكثير من التبسيط وكأنها مسطحة، رغم انشغال الفلاسفة والعلماء منذ بداية البشرية بمحاولة تفسير الزمن. بالنسبة لى، الزمن هو خط مستقيم أستيقظ كل صباح فأرى جزءا جديدا منه يكمل ما كان على الحائط فى الليلة السابقة. لا جدوى فى كل محاولاتى أن أبقى مستيقظة حتى أرى من رسم الخط، كل ما أعرفه هو أن جزءا إضافيا ظهر بعد ما تركته على الحائط فى الليلة السابقة، مما يعنى أننى ما زلت على قيد الحياة اليوم.
***
هو خط مستقيم لم أرسمه بنفسى إنما أضيف إليه تفاصيل كل يوم. أرسم سهاما تشير إلى خط الزمن على الحائط وأكتب فوقها الأحداث: ولادة، موت صديقة، تخرج من المدرسة، زواج قريبتى، سفر، موت الجدة، ولادة ابنتى وهكذا. يمتد الخط على جدران حياتى وعبر البلاد التى أتنقل بينها دون أن ينقطع ودون أن أسيطر عليه. كل ما بيدى هو أقلام أرسم بها سهاما تشير إلى نقاط على الخط. أحاول أحيانا، خصوصا هذه السنة، أن أمد خط 2020 وأرسل سهما إلى آخره أكتب عليه «خاتمة الأحزان» لكنى أستيقظ فى اليوم التالى فأرى ما كتبته قد اختفى وحل مكانه جزء إضافى من خط الزمن تماما كما هو فى كل صباح.
***
لا جدوى إذا من استعجال عام 2020 خصوصا وأننى لا أعرف أصلا ما سيأتى بعده. لا جدوى من محاولتى مد الخط على جدار بيتى وكتابة «عيد ميلاد والدى» ثم «حفل زواج صديقتى» لأن ثمة أخبار حزينة سوف تظهر أيضا ولن أتحكم بها. أظن أن قمة ما يمكن أن أتحكم به فى علاقتى مع خط الزمن هو أن أتأكد من تسجيل الأحداث كل صباح على جزء اليوم السابق من الخط، فأعود إليها حين أحتاج رائحة ما من مطبخ أمى فى مكان بعيد، أو حين أشتاق إلى نفسى كما كنت منذ عشرين عاما فأعود إلى سهم اسمه «تخرجت من الجامعة».
***
عدا عن ذلك، فها هو عام 2020 يضيف جزءا إلى خط الزمن خاصتى على حائط بيتى ويضيف جعدة على طرف عينى ويضيف علامة تعجب على شاشتى ووجها حزينا على خبر وفاة أراه فى المساحة الزرقاء على صفحة صديقتى فى ذكرى وفاة زوجها. أتمنى، كما كثيرون من حولى، أن أمحى 2020 من على جدارى، أتمنى أن أكمل الخط دون سهم يحمل خبرا حزينا، أتمنى أن يحرك من خنقنا الصخرة من على صدورنا علنا نتعلم ونصبح أكثر تسامحا وأقل شرا. أتمنى لو أن نهاية 2020 هى فعلا نهاية مرحلة حزينة جدا على العالم. لكن ما زال ثلثها فى علم المجهول، فها أنا أستيقظ كل صباح وقد ظهر جزء من الخط على الحائط أتمنى فقط ألا أكتب عليه تعزية لشخص أحبه.
كاتبة سورية