إلى أى معسكر ينضم الفلاحون؟
عمرو عادلى
آخر تحديث:
الإثنين 19 سبتمبر 2011 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
جرى استدعاء الفلاحين إلى المشهد السياسى المصرى فى نهار جمعة 9 سبتمبر. فبينما ذهب نحو عشرين ألفا منهم إلى استاد القاهرة لحضور الاحتفالية الرسمية بيوم الفلاح، ذلك اليوم المنسى من ذكريات العهد الناصرى، تظاهر مئات الفلاحين الآخرين أمام وزارة الزراعة قبل أن يمضوا فى مسيرة إلى ميدان التحرير للانضمام لجمعة تصحيح المسار.
الاحتفالية الرسمية تمت برعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبحضور وزير الزراعة واشتملت على التعاونيات التابعة للوزارة، وهى الهيئات الموازية لاتحادات العمال التى أممتها الدولة وأرفقتها بالبيروقراطية الحكومية فى إطار المشروع الناصرى. ولعل الاحتفال الرسمى بيوم الفلاح حلقة من حلقات عديدة سعت من خلالها السلطة إلى رسم صورة مفادها أن الريف والفلاحين خاصة قاعدة مؤيدة للدولة جامدة ومتحفظة إزاء الثورة، وراغبة فى الاستقرار الاجتماعى والسياسى. فقد صدر الإعلان الدستورى المؤقت محتفظا بنسبة خمسين بالمائة للعمال والفلاحين باعتبارها مكسبا اشتراكيا للفلاحين، وأعقب ذلك صدور قانون انتخابات مجلس الشعب ليشترط وضع العمال والفلاحين على رءوس القوائم إلى جانب تمثيلهم فى نصف مقاعد الفردى، وهو ما ينتظر أن ينتج برلمانا بنسبة عمال وفلاحين تتراوح بين 60 و65% وليس فحسب عند النصف، ثم أتى تقسيم الدوائر الانتخابية فى بعض القراءات مبالغا فى تمثيل الريف على حساب المدن. ذهب الكثير من المحللين إلى أن السلطة القائمة، والراغبة فى كبح جماح المطالب الثورية تراهن على الريف باعتباره الموطن الأصيل للقوى المحافظة اجتماعيا باعتبار أن الثورة المصرية قد انحصرت فى المدن وظلت ظاهرة حضرية لم تمتد للريف بحال، ويضاف إلى ذلك أن تمثيل الريف والفلاحين يعنى الاعتماد على العصبيات المحلية والعائلات التى ارتبطت مصالحها بالدولة بغض النظر عن الحاكم أو النظام. وخلاصة المقال ذهب محللون كثيرون إلى أن الريف هو نقطة الهجوم ضد الثورة، وأن تمثيله فى البرلمان القادم المسئول عن كتابة الدستور سيكون الثغرة التى تنفذ منها السلطة القائمة لتكريس موقعها، ومحاصرة الثورة سياسيا واجتماعيا.
ولكن أصحيح أن الثورة قد أغفلت الريف؟ وأن الفلاحين فئات محافظة وعميلة للدولة على طول الخط؟ يجيب البعض الآخر بالقول إن الريف سواء فى الدلتا أو الصعيد يشهد تحركات ثورية بالمعنى الاجتماعى أى حراك جماهيرى يهدف لتغيير توزيع الموارد كالأراضى والمياه، وعلاقات القوة لصالح الفئات الأكثر تهميشا، وأن الإشكال ليس فى أن الثورة لم تمر على الريف بل إن وسائل الإعلام من صحافة وتليفزيون منكبة على نقل تطورات المدينة ولا تنقل هذه الفاعليات التى تظل غاية فى المحلية وعلى مستوى القواعد الجماهيرية. فمن منا يذكر حادث قرية قصر الباسل بالفيوم بعد أسابيع من تنحى مبارك، والذى تصدى فيه الأهالى لمجموعات مسلحة كانت تفرض عليهم الإتاوات فى ظل الانقسام بين العرب والفلاحين الشائع فى الصعيد؟ ومن منا قد تابع تحرك صيادى بحيرة المنزلة واعتصامهم أمام محافظة الدقهلية فى أول سبتمبر الحالى، وتحركهم لإزالة التعديات من أجل الدفاع عن نصيبهم فى مياه البحيرة من كبار الملاك الذين كانوا فى الماضى مقربين من النظام، ونسبت إليهم محاولات تجفيف أجزاء من البحيرة بما استوجب استخدام العنف الممنهج ضد صغار الصيادين الذين يعتمدون فى قوت يومهم على أسماك البحيرة ؟ ويضاف إلى هاتين الحالتين أحداث أخرى فى أعماق الريف لم تسجل أو لم يهتم أحدهم برصدها. ولكنها كلها تثبت بشكل أو بآخر أن الحراك الاجتماعى الذى طال المعلمين والأطباء والمحامين والمهندسين والعمال وأساتذة الجامعات والطلاب والنوبيين وبدو سيناء قد امتد بالفعل إلى الريف وإلى الفلاحين الذين يزعم الزاعمون أنهم محافظون أو تابعون للدولة دائما. بل يكفى ما حدث فى يوم 9 سبتمبر نفسه عندما تجمهر بعض الفلاحين خارج الاستاد، وهاجموا الوزير، وانتقدوا فشله فى حل مشكلات الأسمدة، وطالبوا بإطلاق حرية إنشاء التعاونيات الزراعية، وطالبوا بحل التعاونيات التابعة للحكومة قبل أن ينضم بعضهم للتحرير.
يظل الريف المصرى موطنا لنصف السكان، ويظل القطاع الزراعى مصدرا لتوظيف نحو 40% من العاملين، ولهؤلاء وزن لا يستهان به، وما من مانع منطقى يحول دون امتداد المطالب الاجتماعية التى حملتها ثورة يناير إليهم، ودلائل ذلك كثيرة كما سبقت الإشارة. ويقع على عاتق القوى الديمقراطية عبء التواصل مع المبادرات المحلية والشعبية فى الريف كما هو الحال مع النقابات المستقلة للعمال والمهنيين بالقاهرة، لتعميق الكتلة الديمقراطية، ومد أرضيتها لتشمل الملايين من المصريين الذين عانوا ويعانون من تردى السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تضمن جمهورا واسعا ومتحركا ونشطا كأساس لديمقراطية اجتماعية، والخروج من ضيق الأفق النخبوى الذى يقصر التحول الديمقراطى فى مسائل الدستور والانتخابات والأحزاب فحسب. ومن ثم يصبح التحدى الأكبر لهذه القوى معا الوصول لصيغة نظام سياسى ديمقراطى تعددى يضمن حريات العمل والتنظيم والتمثيل، ويمكن من وضع وتطبيق سياسات تحقق التنمية فى ظل المتاح من الموارد البشرية والطبيعية.