أيام جمال مبارك
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 19 سبتمبر 2016 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
كل خبرات وتجارب السنوات الثلاث الماضية تؤكد لنا أننا ــ بمرور الوقت ــ نبتعد أكثر وأكثر عن بناء نظام سياسى ديمقراطى قوى وعفى، كما كنا نطالب خلال ثورة 25 يناير. رجعنا ــ بطريقة أقل كفاءة – إلى أسلوب الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى الحكم، ولكن بدون إخوان مسلمين ولا حزب وطنى ديمقراطى ولا ابنه جمال، إلا اننا نطبق نفس سياساته وأكثر فى التنفيذ الحرفى لوصفات صندوق النقد الدولى، بسرعة لم يكن يجرؤ هو على تنفيذها، أو بمعنى أصح يحلم بها!
أما على المستوى السياسى، فقد أصبحت الحكومة والدولة وجهين لعملة واحدة، وأصبح تداول السلطة حلما من الأحلام المستحيلة، فأحزاب المعارضة المفترض أنها تسعى للحكم تبدو شبه مشلولة وبلا جماهيرية، والبرلمان جاء لدنيا السياسة بدون أنياب ولا أظافر، تم ترويضه قبل أن يبدأ عمله، أما ثوار يناير فقد ذهب فريق منهم للسجون ، وفريق آخر وقع فريسة لليأس والإحباط، ومن نجا من هذين الطريقين ينفث عن غضبه على المقاهى أو الفيس بوك!
الفرق الوحيد – بعد الكفاءة – بين ما كان يحدث أيام مبارك وما يحدث فى أيامنا هذه، هو أننا أصبحنا ننفذ نفس أفكار وسياسات جمال مبارك التى كان سيطبقها لو أوصلته المقادير لحكم مصر، فالدولة تنسحب من السوق لصالح الشركات الكبرى، والدعم يتم رفعه عن السلع الأساسية، والضرائب يتم فرضها بقسوة على محدودى الدخل، مع تقديم الكثير من الامتيازات لكبار رجال الأعمال باعتبارهم أمل مصر فى تحقيق الرخاء الاقتصادى، ومواد الدستور حول رفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية لا تتعدى كونها أمنيات، بل إن جمال نفسه لم يكن من الممكن أن يتلقى كل هذه المليارت من الدولارات كمنح وقروض من الخارج، ثم يلجأ إلى قروض بـ 21 مليار دولار من صندوق النقد ومؤسسات دولية أخرى ودول شقيقة وصديقة، لتصبح حياة المصريين أكثر فقرا وبؤسا!
لم يعد مستغربا أن تحتل مصر الآن المركز الثامن بين أسوأ 15 دولة فى العالم فى توزيع الثروة، كما كشف تقرير أصدره بنك كريدى سويس، حيث يسيطر 10 % من المصريين على 73 % تقريبا من ثروة البلاد، و 1% من الأغنياء يسيطرون على 48.5% تقريبا من هذه الثروة. ويحصل 5% من الموظفين على 40% من إجمالى الأجور و 95% منهم يحصلون على الـ 60 % الباقية!
ربما يكون السبب الأكبر فيما وصلنا إليه هو أننا انتخبنا المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية، بدون أن يقدم لنا برنامجا سياسيا محددا، يلتزم به ونحاسبه عليه، وحتى كل الذين انتخبوه ــ قبل الذين لم ينتخبوه وأنا منهم ــ وجدوا أنفسهم أمام تصريحات وردية وواقع مظلم، مليارات مؤتمر شرم الشيخ التى وعدتنا بأنهار من اللبن والعسل تبخرت فى الهواء، سباق محموم لرفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب، تهديد الموظفين بمزيد من الفقر بعد تطبيق القانون بإحالتهم للمعاش، قصور الدولة عن مراقبة الأسواق، بطالة تحرق أحلام شبابنا، وأخيرا وليس آخرا إغفال تطبيق مواد الدستور بل ومعاداة روحه فى المواد المتعلقة بالحقوق والحريات العامة بل وفى مواد نظام الحكم نفسه!
نحن نواجه مستقبلا غامضا، بعد أن أصبح برنامج الرئيس واضحا، والذى لن يستطيع – تحت وطأة الأزمة الاقتصادية – ان يتراجع عنه، فالسياسات الحالية بانحيازاتها الطبقية المعادية للفقراء ومحدودى الدخل، تحمل فى أحشائها غضبا يتنامى فى نفوس ملايين المصريين لا أحد يعرف كيف سيبدأ فى التعبير عن نفسه، ولا كيف سينتهى؟!