تونس فى ظل الرئيس الضعيف
مواقع عربية
آخر تحديث:
الخميس 19 سبتمبر 2019 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع درج مقالا للكاتب «حازم الأمين».. جاء فيه ما يلى
فى ردها علينا نحن زملاؤها الآتين إلى تونس عشية الانتخابات الرئاسية فيها، والمحتفلون فى يوم جديد من الحرية فى البلاد، قالت حنان زبيس، مديرة الفرع التونسى لمكتب «اتحاد الصحافة الفرنكوفونية»: إن والدتها قالت لها إنه لم ينلها من هذه الحرية إلا الانتخابات. فى كل سنة تنتخب تونس تقريبا، على المستوى البلدى والتشريعى والرئاسى، وهى انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن الحرية هى مؤشرها الوحيد، والأخيرة لم تؤد وظيفتها التصويبية على المستويات الأخرى! لم تفض الحرية إلى مكافحة الفساد أو تحسين مستوى التعليم أو إلى طبابة مجانية.
وحنان المفجوعة بنتائج الانتخابات الأخيرة، تقول «وضعتنا النتائج أمام مرشحين، الأول أناركى (قيس السعيد) والثانى فاسد (نبيل القروى)، والاختيار بينهما يبدو مستحيلا». أما أيوب جويدى، وهو مسرحى ومدير الحملة الانتخابية للمرشح اليسارى حمة الهمامى، فيشير إلى أن الثورة حملت ثلاثة شعارات، الشغل والحرية والكرامة. الشعار الأول لم يتم التقدم به خطوة واحدة، لا بل بالعكس، فقد ارتفعت معدلات البطالة، ومعها ارتفعت مؤشرات الفساد وتدنى مستويات الخدمات العامة.
فى مقابل قناعة حنان وأيوب بحال الاستعصاء الذى كشفت عنه نتائج الانتخابات، اقترع لقيس السعيد ونبيل القروى نحو 35 فى المائة من التونسيين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد الماضى، وهؤلاء ليسوا كتلا تصويتية يمكن ضبطها وفق مشهد الاستقطاب التقليدى فى تونس. ليسوا جمهورا حزبيا، ولا ناخبين يمكن فرزهم وفق مناطقهم أو طبقاتهم. وفى الوقت الذى رصد فيه مزاج شبابى فى حركة الاقتراع للمرشح الأكاديمى قيس السعيد، رصد أيضا استنكاف شبابى عن الاقتراع عموما، وهذا ما يضعف افتراض تمثيل السعيد شرائح الشباب.
سائق سيارة الأجرة التى أقلتنا إلى قمرت وهو اقترع للسعيد، لفت إلى أنه لا يعرف الكثير عن هذا المرشح، وهو اقترع له فقط لأنه من خارج الطبقة السياسية التى أنتجتها الثورة. وأضاف: «نحن التونسيين صار بإمكاننا أن نحاسب الرئيس. بعد خمس سنوات إذا لم يعجبنا أداؤه سننتخب غيره». سائق أجرة آخر قال إنه اقترع للسعيد لأنه تلميذه فى الجامعة، وتلامذة السعيد شكلوا قاعدة تصويتية ليست محدودة له، ذاك أن الرجل أمضى فى التدريس الجامعى نحو 30 سنة، كان فى أثنائها مرجعا فى القانون الدستورى، فيما مثل منافسه رجل الأعمال نبيل القروى نموذجا مختلفا لجهة اعتماده على شبكة إعالة واسعة فى المدن والأحياء الفقيرة، وهو نال اسما شعبيا هو «نبيل معكرونة» بسبب توزيعه أكياس المعكرونة مجانا.
لا تشعر فى تونس عشية الانتخابات بأنك حيال ماكينات انتخابية تمسك بمزاج الشارع. الناخب خارج ضغط الماكينات، وهذا ليس بسبب ضبط النشاط الانتخابى بقوانين تحد من الضغوط على الناخبين، إنما بسبب ضعف هذه الماكينات. ومن نتائج هذه الظاهرة تشتت الأصوات ونيل مرشحين مغمورين نسبا لا بأس بها من الأصوات. فالشعر الانتخابى يمكن أن يستجاب له لمجرد أن صاحبه جاهر به. كثيرون قالوا مثلا إنهم اقترعوا للمرشح الصافى سعيد لأنه ضد التطبيع مع إسرائيل. هذا الشعار الفضفاض والبعيد من الهموم اليومية للناخب التونسى، أفضى إلى أن ينال صاحبه نحو 7 فى المائة من الأصوات، وهى نسبة لم ينلها مرشحون مكرسون من أمثال حمة الهمامى الذى تمكن فى الانتخابات التشريعية من أن يكون القوة الثالثة فى البرلمان، لكنه نال فى هذه الانتخابات أقل من 2 فى المائة من الأصوات. علما أن الهمامى ضد التطبيع مع إسرائيل، وهو جاهر كما منافسه الصافى سعيد برغبته فى إعادة العلاقات مع النظام السورى.
«إنها ليلة سقوط السيستم»، قالت لنا زميلتنا خولة، ما أن بدأت نتائج الانتخابات تظهر، ذاك أن المرشحين المنتقلين إلى الدورة الثانية هم من خارج الطبقة السياسية. سقط فى هذه الانتخابات رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزيران آخران. وسقط أكبر حزبين تونسيين هما «نداء تونس» و«حركة النهضة».
هذا الكلام كان سيبدو صحيحا لو كان النظام السياسى التونسى نظاما رئاسيا، لكن الرئيس إذا لم يكن محصنا بكتلة نيابية كبيرة ستبقى قدرته على التأثير محدودة بالصلاحيات التى أعطاه إياها الدستور، وهى ليست مطلقة. للحكومة دور أكبر، لا سيما فى إدارة الحياة الداخلية، وأن يكون قيس السعيد ضد قوانين إنصاف المرأة على ما هو شائع عنه، فهذا لن يفضى إلى إلغاء قانون المساواة فى الإرث، أو تعطيل مشاريع قوانين تشريع زواج المسلمة من غير المسلم وغيرها من القوانين المشابهة.
القوى السياسية الكبرى سيبقى لها دور وحضور فى الحكومة وفى البرلمان، وسيضطر الرئيس إلى التعايش مع خصوم سبق أن أكد أنه لن يشاركهم فى الحكم. فـ«حركة النهضة» مثلا، وهى أحد الخاسرين فى هذه الانتخابات، ومن المرجح أن يتراجع حضورها فى الانتخابات التشريعية المقبلة، لن تفقد تأثيرها، وكذلك القوى غير الدينية التى كانت تشكل حزب «نداء تونس» قبل تفككه فى السنوات الأخيرة.
أما الاعتقاد الشائع بأن تونس انخرطت فى موجة شعبوية هى امتداد لشعبويات أوروبية وأمريكية فهو اعتقاد يبقى مضبوطا فى حدود صلاحيات الرئيس وفى حقيقة ضعف موقعه فى ظل ضعف تمثيله النيابى. «السيستم» سيستيقظ فى الانتخابات التشريعية والأرجح أن يحاصر الرئيس الضعيف.
النص الأصلى:من هنا