اتفاق السلام مع الإمارات والبحرين يمثلان إعلانا صريحا لنهاية مبادرة السلام العربية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
السبت 19 سبتمبر 2020 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
بن درور يمينى
يمكن القول إن اتفاق السلام مع الإمارات العربية المتحدة واتفاق إعلان السلام مع البحرين اللذين وُقعا هذا الأسبوع فى واشنطن، هما وثيقتان تهب فيهما روح السلام من كل سطر، وتشملان التعاون فى كل المجالات والكثير من النيات الطيبة، فضلا عن كونهما الوثيقتين اللتين حلمنا بهما فعلا عندما حلمنا بشرق أوسط جديد.
ولا يدور الحديث حول روح الوثيقتين فقط، بل أيضا حول جوانب عملية تُعتبر مهمة أكثر. فمقدمتا الاتفاقين تتضمنان، وإن لم يكن بكلمات صريحة، إعلانا بشأن نهاية مبادرة السلام العربية، حتى وإن كانت ستبقى ظاهرة فى قرارات الجامعة العربية.
ولا شك فى أن اتفاق السلام مع الإمارات الذى سيكون الأساس لاتفاقيات مقبلة مع البحرين وربما مع دول أُخرى، يعيد التذكير باتفاقىْ السلام مع مصر والأردن، لكن لا يوجد فيه أدنى ذكر لاتفاقيات أوسلو، ولا لدولة فلسطينية أيضا، ولا ترِد فيه أى كلمة عن مبادرة السلام العربية التى أُقرت سنة 2002.
وتُعتبر هذه بمثابة ضربة قاسية للفلسطينيين. فعندما عرضت السعودية مبادرتها للسلام التى تختلف عن مبادرة السلام العربية، صرخ الفلسطينيون بأنهم يفضلون حق العودة على الدولة، كما قال فى حينه مندوبهم الأبرز فاروق القدومى «أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية»، وأدى ذلك إلى موت المبادرة السعودية وإقرار مبادرة السلام العربية بدلا منها، وأُضيف إليها بند يطالب بالاعتراف بالقرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذى يقر حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويبدو أنه حانت الآن لحظة الانعطاف بل وربما الثأر، وكأن العالم العربى يقول للفلسطينيين: نجحتم فى أن تفرضوا علينا كل ما أردتم فى حينه، لقد انتهى هذا. وها قد جاء التطبيع، والسعودية، ومن دون أى اتفاق مبرم، اتخذت الخطوة الأولى فى هذا المسار عندما فتحت مجالها الجوى للرحلات الجوية الإسرائيلية.
يمكن القول أيضا إنه بغية إغضاب الفلسطينيين بعض الشىء، يتضمن الاتفاق ذكرا لـ«رؤيا السلام» وفقا لخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وهذا يعنى أن «صفقة القرن» دخلت من الشباك، بينما خرجت مبادرة السلام العربية من الباب. وبعد ذلك يأتى الملح الذى ينثره الاتفاق على جراح الفلسطينيين، فوفقا للاتفاق، «يلتزم الطرفان «الإسرائيلى والفلسطينى» العمل معا لتحقيق حل متفق عليه للنزاع الإسرائيلى – الفلسطينى يستجيب للحاجات والتطلعات المشروعة للشعبين، والدفع نحو اتفاق سلام شامل فى الشرق الأوسط، ونحو الاستقرار والازدهار». هكذا لم يعد هناك بعد اليوم «حقوق مشروعة» بل «حاجات مشروعة». ومن الصعب أن نصدق أن الخبراء الذين وضعوا هذه الصياغات، ومنهم رجال قانون بارزون، لا يعرفون الفرق بين المصطلحيْن.
ولا تنتهى مسيرة الإهانات للفلسطينيين عند هذا الحد. فكلمة لاجئين لا تظهر. ومعروف أن مسألة اللاجئين هى الأساس الأهم فى كل الروح الفلسطينية، واتُخذت أكوام من القرارات بشأنها فى كل مؤسسات الأمم المتحدة والجامعة العربية. كل هذا انتهى الآن. ولم يعد لهذه المسألة أدنى ذكر حتى.
هذه ليست صفعة للفلسطينيين، بل هزيمة للقيادة الفلسطينية. ويمكن ملاحظة أن المزيد من المحللين العرب يخرجون على الملأ ويشرحون الاتفاق لقادة السلطة الفلسطينية وحركة «حماس». كما أننا نطالع موجة جديدة من المقالات العربية يعبر كل سطر فيها عن المصالح، وعن شهية التعاون (مع إسرائيل).
ينص البند الأول من الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية. وينص البند الثانى على «الاعتراف المتبادل بالسيادة وحق العيش فى سلام وأمن». وينص البندان 4 و6 على مكافحة الإرهاب وخلق أجواء السلام، بما فى ذلك التوافق على أن «يعمل الطرفان معا لمكافحة التطرف الذى يدفع قدما بالكراهية والخلاف، وكذا لمكافحة الإرهاب ومسوغاته». وينص البند 7 على التعاون الاستراتيجى لتحقيق شرق أوسط يعيش بسلام. ويوضح البند 9 أن الاتفاق يكون قائما بذاته من دون أى صلة بخطوات تقوم بها جهات أُخرى. وبتعبير آخر، لا يُفترض بأى عمل لـ«حماس»، أو السلطة الفلسطينية، أو حزب الله، أو أى دولة، أن يؤثر فى تنفيذ الاتفاق. وأكثر من ذلك، عندما ينشأ تضارب بين التزامات دولية أُخرى وبين اتفاق السلام يجب احترام هذا الأخير.
يعبر الاتفاق عن روح جديدة ربيعية بدأت تهب بين إسرائيل ودول الخليج. ولا شك فى أن مثقفين إسرائيليين وعربا ويهودا وغيرهم ممن يعتبرون أنفسهم قوى تقدمية، سيواصلون مكافحة التطبيع فى جبهة مشتركة مع السلطة الفلسطينية، و«حماس»، وتركيا، وإيران. والسؤال المطروح الآن هو أى نهج سينتصر؟ ذاك الذى يرغب فى التقدم قدما بالسلام الإقليمى (مرغوب فى أن يكون مع الفلسطينيين)، لأن كل الأطراف لديها مصالح مشتركة، أم ذاك الذى يروج للشقاق والنفاق والكراهية والتحريض باسم القلق الزائف على «حقوق الفلسطينيين»؟
الأمر الأكيد أننا حققنا هذا الأسبوع انتصارا للنهج الأول. ونأمل بأن يكون لدى إسرائيل ما يكفى من الحكمة كى لا يكون هذا الانتصار قصير الأمد.
محلل سياسى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية