تحديات أوباما فى العالم الإسلامى
محمد السماك
آخر تحديث:
الإثنين 19 أكتوبر 2009 - 10:05 ص
بتوقيت القاهرة
منذ دخوله إلى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما يحاول جاهدا تصحيح ثلاثة أخطاء إستراتيجية ارتكبها خلفه الرئيس جورج بوش.
مسرح الخطأ الإستراتيجى الأول هو أفغانستان. فبعد جريمة 11 سبتمبر 2001 شن الرئيس بوش الحرب على أفغانستان. لم يكن الهدف من الحرب الشعب الأفغانى، ولكن الهدف كان تنظيم القاعدة الذى أعلن مسئوليته عن الجريمة.
أما الخطأ الذى ارتكبه الرئيس بوش فهو أنه بدلا من أن يوجه الحرب ضد تنظيم القاعدة وجهها ضد حركة طالبان. والفرق بين التنظيم والحركة واسع وعميق. صحيح أن القاعدة وجدت مأوى لها فى حضن طالبان، إلا أن طالبان ليست القاعدة، وهى ليست مسئولة عما فعلته القاعدة،
ولم تكن على علم بالتخطيط للجريمة من الأساس. ثم إن القاعدة هى تجمع لمقاتلين غير أفغان. أما طالبان فإنها حركة شعبية أفغانية تعكس واقع المجتمع الأفغانى الغارق فى مفاهيم مشوهة عن الإسلام.
لو تصرف الرئيس بوش بحكمة لكان بإمكانه كسب ود حركة طالبان واستدراجها للتحالف معه ضد القاعدة؛ صحيح أن ذلك كان أمرا صعبا نظرا لسوء سمعة الولايات المتحدة من جهة، وللتقاليد القبلية المتأصلة فى المجتمع الأفغانى ــ الطالبانى باحتضان اللاجئ إليه وحمايته، فكيف إذا كان هذا اللاجئ قد جاء فى الأساس للمساعدة على التخلص من العدو المحتل (الاتحاد السوفييتى السابق؟) ولكن رغم صعوبة هذا الأمر فإنه لم يكن مستحيلا.
كان يحتاج إلى شىء من الحكمة ومن دبلوماسية النفس الطويل. وهما أمران افتقرت إليهما إدارة الرئيس بوش. فقد اعتقدت أنها قادرة على أن تحسم الأمر بالقوة العسكرية وبسرعة. ولكن الآن وقد مرت ثمانية أعوام على الحرب العشوائية على طالبان، وعلى القرى الأفغانية الفقيرة والمعدمة، فان كل شىء يبدو وكأن الحرب لا تزال فى المربع الأول.
فتنظيم القاعدة لايزال قائما ومستمرا بل وناشطا أيضا مع الأسف الشديد، وزعيمه ابن لادن لايزال طليقا. أما حركة طالبان التى كان يمكن احتواؤها أو على الأقل تحييدها، فإن الحرب عليها عمقت من مشاعرها الاستعدائية من جهة وعززت من حضورها من جهة ثانية، حتى أصبحت عملياتها العسكرية تضرب فى قلب العاصمة كابول.. وحتى فى قلب المعسكرات الأمريكية المحصنة مثل قاعدة باجرام.
ثم إن القصف العشوائى الذى كان يستهدف عناصر متناثرة من القاعدة، أو من طالبان، أدى إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء وتهديم بيوتهم فوق رؤوسهم، مما أجج من مشاعر الكراهية المحلية للقوات الأمريكية والأطلسية، وأوجد هوة عميقة بات من المستحيل على أى حكومة أفغانية ردمها. وبذلك تحول الرئيس الأفغانى وحكومته فى نظر الأفغانيين إلى مجرد دمية ذميمة بيد المحتل الأجنبى الذى يجب القضاء عليه والتخلص منه.
لقد اتسعت دائرة الكراهية ضد الولايات المتحدة فى أفغانستان بدلا من أن تؤدى إلى كسب ود شعبها. وانطلقت مشاعر الكراهية هذه أساسا من قواعد حركة طالبان لتشمل عائلات وقبائل ضحايا القصف.. ومن ثم معارضى الاحتلال ورافضى الوجود الأجنبى من حيث المبدأ.
ومما عمق من هذه المشاعر أيضا التنظيمات الاجتماعية والعائلية التى حاول الأمريكيون فرضها على المجتمع الأفغانى والتى تتناقض مع الموروث الاجتماعى الذى يشكل أساس الهوية الوطنية الأفغانية؛ وعندما أدركت إدارة الرئيس أوباما حجم هذه الأخطاء ونتائجها، كان الوقت متأخرا جدا للتصحيح. فحركة طالبان اليوم تبدو أقوى مما كانت عليه قبل الحرب الأمريكية التى وضعتها فى خندق واحد مع تنظيم القاعدة.. بدلا من أن تجعل منها حليفا ضد القاعدة!!
أما مسرح الخطأ الإستراتيجى الثانى الذى ارتكبه الرئيس بوش والذى يجهد الرئيس أوباما لتصحيحه فهو العراق. وهو مرتبط ارتباطا عفويا مباشرا بالخطأ الأول فى أفغانستان.
كان المنطق يقول إن الحرب على الإرهاب تتطلب التركيز على القواعد الإرهابية فى أفغانستان التى انطلقت منها العملية الإرهابية التى استهدفت نيويورك وواشنطن. غير أن ما فعله الرئيس بوش كان على العكس من ذلك.
فقد أهمل الجبهة مع القاعدة وفتح جبهة ثانية فى العراق دون أى مبرر، مختلقا الأسباب التى ثبت فيما بعد أنها كانت كلها كاذبة. من اتهام نظام صدام حسين بالعلاقة مع القاعدة، إلى اتهامه بإنتاج أسلحة دمار شامل وصواريخ بعيدة المدى. فإذا بالوقائع كلها، بما فيها معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية تؤكد أن عراق صدام حسين كان خصما للقاعدة، لأنه فى أساسه كان خصما للتطرف الإسلامى، وأنه لم يكن يملك لا أسلحة دمار شامل، ولا صواريخ.
أدت الحرب على العراق إلى تراجع التركيز على أفغانستان، فاتسعت عمليات تنظيم القاعدة لتصل إلى أوروبا واستراليا.. ووجد هذا التنظيم من يتجاوب معه داخل العراق على قاعدة التصدى للاحتلال الأمريكى الجديد.
وهكذا بدلا من ضرب تنظيم القاعدة فى أفغانستان، أنبتت الغطرسة الأمريكية فروعا للتنظيم فى العراق؛ وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة خسرت فى العراق ولم تربح فى أفغانستان. ولا شك فى أن الأخطاء السياسية والإعلامية الفادحة التى ارتكبتها إدارة الرئيس بوش زادت الطين بلة.
من هذه الأخطاء أنها صورت الحرب على الإرهاب وكأنها حرب على الإسلام، وتضافرت الأحداث التى توالت فصولها على المسارح الثلاثة فى أفغانستان والعراق وفلسطين لتؤكد هذا التصوير الاستفزازى بل الاستعدائى للعالم الإسلامى.
وهكذا بدلا من أن تكون دول هذا العالم فى خندق واحد مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب بكل أشكاله وفى كل مواقعه ــ بما فيه طبعا الإرهاب الإسرائيلى الذى أكده تقرير ريتشارد جولدستون عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ــ عطلت الولايات المتحدة دور هذه الدول واستبعدتها، وذلك باتخاذ مواقف استعلائية متغطرسة وباعتماد منهجية الاتهام الجماعى.
ونتيجة لذلك خرج تنظيم القاعدة من كهوف تورابورا فى أفغانستان إلى قلب العاصمة العراقية!
أما الخطأ الإستراتيجى الثالث الذى ارتكبه الرئيس بوش فهو تعطيل دور الأمم المتحدة ولى ذراع مجلس الأمن الدولى والاستخفاف بأدوار القوى الدولية الأخرى بما فيها روسيا والاتحاد الأوروبى والصين ودول العالم النامى، ومحاولة استتباعها وإلزامها بقرارات إدارته وبأسلوبها فى التعامل مع قضايا العالم.
حاول الرئيس جورج بوش أن يتصرف وكأنه «ملك العالم» بلا منازع. وأعطى نفسه حرية اتخاذ القرار.. ومن ثم إلزام الآخرين ــ كل الآخرين ــ حلفاء ومحايدين به. كما أعطى نفسه حق معاقبة الرافضين والمترددين، وكانت النتيجة أنه غرق فى أخطائه وحمل العالم ثمن تلك الأخطاء الكثير من الدم والاضطرابات.
وقد أدى ذلك كله إلى اتساع دائرة الرفض للسياسة الأمريكية لتشمل كل هذه المجموعات الدولية على النحو الذى أكدته دراسات استطلاعات الرأى التى أجرتها مؤسسات أمريكية متخصصة.
وبلغت دائرة الرفض حتى الداخل الأمريكى ذاته، حيث هبطت نسبة مؤيدى الرئيس بوش إلى ما دون 16 بالمائة فقط، وهى أدنى نسبة سجلت فى التاريخ لأى رئيس أمريكى سابق. وقد ساهم ذلك فى وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض متجاوزا عقدة اللون والخلفية العائلية.
والسؤال الآن: هل ينجح الرئيس أوباما فى تصحيح هذه الأخطاء الإستراتيجية الثلاثة التى ارتكبها الرئيس السابق جورج بوش وإدارته من المحافظين الجدد والمسيحيين المتصهينين كما يسمون أنفسهم؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من التوقف أمام المؤشرات التالية:
أولا: خطاب الرئيس أوباما فى جامعة القاهرة فى شهر يونيو الماضى، الذى بدا فيه وكأنه يتحول بنسبة 180 درجة عن منحى سلوك الإدارة الأمريكية السابقة بالنسبة للموقف من العالم الإسلامى وقضاياه.
صحيح أن الأمر لا يتعدى حتى الآن مجرد الإعراب عن النوايا الحسنة، إلا أن هذه النوايا قد تشكل عناوين لمتغيرات جذرية يحتاج تنفيذها إلى تذليل العديد من العقبات الداخلية، لاسيما تلك التى يفتعلها اللوبى اليهودى الأمريكى.
ثانيا: خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الشهر الماضى، الذى حرص فيه على التأكيد على استعادة دورها كمؤسسة دولية جامعة، وعلى التنسيق مع دول العالم الأخرى، خاصة الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى (قرار قمة دول المجلس بالتعهد على العمل من أجل عالم خالٍ من السلاح النووى).
ثالثا: التزامه الانسحاب من العراق وتصفية القواعد العسكرية الأميركية التى كان يعتقد أنها سوف تستمر حتى بعد الانسحاب.
رابعا: تعزيز القوات العسكرية فى أفغانستان وتوجيه الاهتمام نحو التنمية الاجتماعية ومحاولات كسب ود وثقة العائلات والقبائل الأفغانية.
لا شك فى أن الإدارة الأمريكية السابقة تركت وراءها إرثا ثقيلا من اللاثقة ومن الكراهية والعداء للسياسة الأمريكية فى العالم الإسلامى وفى العالم الأوسع كله. ولا شك فى أن إعادة بناء الثقة وإزالة الكراهية وبناء علاقات صداقة على أنقاض هذا الإرث الثقيل ليست عملية سهلة. إلا أنها ليست مستحيلة أيضا. ويبدو أن هذا ما يعتقده الرئيس أوباما أيضا.
يبقى أن المفتاح لذلك يكمن فى القدرة على التصرف على أساس أنه لا تنظيم القاعدة هو حركة طالبان، ولا مقاومة المحتل إرهاب، ولا الإرهاب هو الإسلام.