الكرة.. ومقاول السياسة
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
●●تمر كرة القدم العالمية بفترة صعبة، إذ تزدهر أندية ومسابقات، وتختفى أندية وتتراجع مسابقات. ويتنازع اللعبة الثراء والفقر، وكذلك الروح الرياضية والروح الشريرة. ومن مظاهر الانهيار الأخلاقى، ظاهرة العنصرية التى تكررت كثيرا بهتافات مسيئة ضد لاعبين من أصحاب البشرة السمراء. وآخرها ما جرى فى مباراة إنجلترا وصربيا تحت 21 سنة، حينما صرخ الجمهور الصربى بأصوات القردة ضد اللاعب دانى روز. وحين انتهت المباراة وقع اشتباك بالأيدى بين لاعبى الفريقين فى مشهد لا يتكرر كثيرا فى ملاعب أوروبا.
●● زادت أيضا أحداث الشغب والاجتياح فى الملاعب.. فهل بدأ عصر انهيار اللعبة.. والسؤال بصيغة أخرى هل تعود كرة القدم إلى أصلها؟
●● فى كتابه «هذه الأقدام.. التاريخ المثير للكرة الإنجليزية» الذى نشر قبل سنوات، يقول الصحفى دافيد وينر «اللعبة شهدت فى بدايتها الحديثة بإنجلترا أسوأ أشكال العنف، وكانت مبارياتها تجرى فى ساحات تمارس فيها أقذر أنواع الانحطاط، وكانت كرة القدم للأشرار من العاطلين واللاعبين والأغبياء، الذين يمارسونها بأحذية قاسية وخشبية، وعلى ملاعب سيئة يختلط فيها الطمى بالعرق، والمصافحة بالضرب، وبرر دافيد وينر انتشار اللعبة فى إنجلترا بحاجة الشباب إلى ما يخرج طاقاتهم الشريرة والعنيفة»..
●● أظن أن الرجل يسىء تقدير أسباب انتشار كرة القدم، فهى لعبة مثيرة حافلة بالدراما، وما فيها من صراع طويل مدته 90 دقيقة لا يمكن التكهن بنتيجته. وما فيها من صراع قصير، يستمر فى كل هجمة لفريق وينتهى بسرعة بدفاع الفريق الآخر لا يمكن ايضا التكهن بنتيجة. وهذا بجانب عشرات الأبحاث والأوراق والكتب التى فسرت أسباب شعبية اللعبة وأهميتها..
●● قبل كأس العالم 2006 كتب سيانس أومان مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية فى باريس مقالا (نشرته جريدة الحياة) وصف فيه المونديال بأنها دورة ألعاب اقتصادية وثقافية وسياسية. وقال: «كرة القدم هى الظاهرة العالمية الأوسع والأعرض، ومركز العولمة وتناقضاتها.. وامبراطوريتها». سيطرت اللعبة على النفوس وخلبت الألباب. والصفة السلمية لا تنكر أن كرة القدم جزء من الثقافة الغربية. وآدابها. ففى الأرجنتين، كان اتحاد كرة القدم، وهو أسس فى 1893، يحظر الكلام بالإسبانية، (رفضا لاحتلال إسبانيا)..
●● وتناول الكاتب نقطة مهمة، تتعلق بعلاقة كرة القدم بالهوية الوطنية وأنها متناقضة. فاللعبة نشأت وتطورت مع نشأة الدول، وحملت الرياضة هذه، مثلما حُمّل غيرها، مهمة ترسيخ الهوية الوطنية. فمن طريق الاحتشاد والاحتفال بفريق، يختبر المناصرون شعورا مشتركا بالانتماء. والمباراة مناسبة مؤاتية لإثبات الشعور الوطنى.. والشعور الوطنى قد يكون أثره فى الرياضة صحيا. وكرة القدم مرآة، وعلاقتها بمجتمعاتها هى على المثال الذى تريده المجتمعات، ويريده المقاولون السياسيون..
●● أكتفى بهذا القدر من المقال، وأتوقف عند: «المقاولون السياسيون».. ففى فترة ما قبل ثورة يناير كان المنتخب وكانت كرة القدم مشروعا قوميا، تنشد من أجله الأغنية الوطنية، ويشعر بها المصريون، وهم لا يشعرون بها فى مناسبات غير انتصارات كرة القدم مع أن الأغنية هى نفسها بكلماتها ولحنها ومطربها.. وفى هذه الأيام هناك خلط وتشويه لكرة القدم، واستغلال لها أيضا.. فكروا جيدا فى تعبير «مقاول السياسة» هذا؟!