هدايا الملائگة


رضوى أسامة

آخر تحديث: السبت 19 أكتوبر 2013 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

كان شيئا سارا أن أستيقظ لأجد إلى جوارى حلية صغيرة معها بعض الكلمات الرقيقة، لم تكن من زوجى كما تتوقع عزيزى القارئ، لكن من سيدة تتدرب فى المؤسسة التى أعمل بها، حيث نقوم بعقد تدريب لمدة ثلاثة أيام. هذه المرأة قررت أن تسعد جميع النساء المشاركات فى التدريب، فقضت ثلاثين ساعة خلال الأسابيع الماضية لإعداد حلى مختلفة مبهجة، صنعتها بنفسها وكتبت بجوارها كلمات قليلة دالة جدا ومعبرة. وعندما سألتها عن سبب ذلك، قالت إنها كانت تتحدث إلى الله وشعرت أن رسالتها فى الفترة القادمة هى مفاجأة السيدات بهدايا ورسائل إيجابية موجهة لهن. لذا كانت تقضى الساعات فى التفكير فى كلمات ايجابية لنساء لم تعرفهن بعد.

فى الحقيقة هذه المرأة تتصرف بخفة ملاك، لم أر ملاكا فى حياتى لكنى لو تصورت شكل الملائكة.. أظننى سأراهم يسيرون بخفة واضحة وينثرون بعصا سحرية السعادة والابتسامة على وجوه الجميع. تماما كما فعلت هذه السيدة.

وفى حادثة أخرى، حكت لى صديقة أنه فى أثناء بحثها عن كتاب رضوى عاشور الجديد «أثقل من رضوى» وجدت جارتها فى الصباح تخبط على بابها وتمنحها الكتاب كهدية صباحية أسعدتها للغاية.

كنت أفكر كيف تعيش هذه الكائنات الطيبة معنا، الكائنات التى تبتغى رسم السعادة على وجوهنا، هؤلاء الملائكة الطيبون.

فى الحقيقة لم أقم فى حياتى بمثل هذه الأفعال، ولم أفكر فى منح صديقاتى هدايا فى صباحات استثنائية. لكن يبدو أن الأمر يستحق التجربة. على مدار ثلاثة أيام ظللت أراقب هذه المرأة الملاك التى تقوم بتوزيع الهدايا: دوما هادئة ومبتسمة، تربت على كتف الآخرين، تجلس فى الصباح وحدها قليلا، وتخرج بطاقة ايجابية توزعها على الآخرين. كنت أحاول الاقتراب منها لأسمع بعض التشجيع، أسعدنى أنها قالت لى إن البلوزة التى أرتديها ألوانها مبهجة، وأثنت على الحلق الذى أرتديه ــ بالمناسبة كان إحدى الهدايا التى منحتها إياها خلال أيام التدريب الثلاثة، بواقع هدية يوميا.

الغريب بينما كنا نفتح الهدايا، أنا وصديقاتى، ونقرأ الكلمات المصاحبة للهدية، صرخنا كل على حدة: «ايه ده صح قوى؟!» وانزعجت صديقة لنا وقالت: «أنا مش بفهم الكلام ده !».

لكننى كنت أؤمن بصدق كل ما قيل فى الورق، خاصة فى اليوم الأول لتوزيع الهدايا. بالطبع أنا لا أؤمن بقراءة الغيب والفنجان ومثل هذه الأشياء، لكننى أؤمن بشفافية بعض البشر، هؤلاء الملائكة الذين يضعون على قلوبهم مهمة منحنا دقائق من السعادة الخالصة.

ليست هى المرة الأولى التى أتعرض فيها لأشياء من هذا القبيل، ففى إحدى ليالى رأس السنة ــ أظن من سنتين ــ دعتنا صديقة وزوجها إلى بيتهم، وأخبرتنا أنها دعت الله كثيرا أن تسعدنا فى هذا اليوم، وطلبت منه رسالة شخصية لكل منا. كانت فكرتها أن تكتب على كروت جمل كرسائل مشجعة لنا جميعا، وتضعها فى صندوق يختار كل منا كارته دون أن يقرأه. الغريب والمثير للدهشة أننا جميعا شعرنا أنها رسائل موجهة فعلا لنا. وشعرت وقتها أن هذه الرسالة قد تكون هدفى الشخصى الذى تحدثت مع الله فيه، خلال العام نفسه، وكنت قد قررت مسبقا أن أعمل عليه.

هل يمكن أن نتحول جميعنا فجأة إلى ملائكة توزع السعادة على البشر وتمنحهم رسائل إيجابية؟

هذا هو السؤال الذى يشغلنى الآن. وأظن أن بعضنا يستطيع ذلك، أنا مثلا يمكننى على الأقل القيام بذلك. فقط الأمر يحتاج إلى روحانية عالية، ونية خالصة فى إسعاد البشر، وشفافية.. من خلالها تنفذ الرسائل. أن تتخلى عن مساحة من التفكير فى ذاتك، وتتجاوز هذه الذات وتعبر إلى الآخر بنية خالصة.

ليس لدينا جميعا القدرة على قضاء ثلاثين ساعة من أجل إسعاد الآخرين، كتلك المرأة الملاك، لكننا قد نقضى ساعات قليلة فى التفكير فى الآخر وفى منحه السعادة.

كل مرة أطرح فكرة عبر مقالاتى أتخذ عهدا على نفسى بتنفيذها. وأحيانا أقوم بالكتابة عن شىء قمت بفعله واستمتعت به وشعرت أنك عزيزى القارئ من حقك أن تجربه.

دعنا نجرب معا هذا الأسبوع أن نقضى ساعات مخلصى النية فى منح أحدهم بسمة. دعنا نتصرف كالملائكة الذين رحلوا جميعا عن هذا العالم الملىء بالعنف، صعدوا إلى السماء إلا قليلين فقط هم من قرروا البقاء. لذا فالعالم بحاجة إلى المزيد من الملائكة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved