الجهل «نورُن»

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 19 أكتوبر 2013 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

سارعت إسرائيل إلى توجيه اصبع الاتهام إلى النظام السورى باعتباره مسئولا عن الهجوم الكيماوى الذى تعرضت له الغوطة السورية يوم 21 أغسطس الماضى، وادعت أن مخابراتها التقطت حديثا جرى بين أحد القادة العسكريين فى سوريا، وبين قائد ميدانى يأمره فيه الأول بتوجيه الضربة الكيماوية المذكورة.

استطاعت إسرائيل أن «تبيع» هذه المعلومة الواضحة السذاجة إلى الولايات المتحدة، ورددها وزيرا الخارجية والدفاع أمام الكونجرس على انها الحقيقة بعينها. كان لقرار أوباما باستمزاج رأى الكونجرس قبل قيام الولايات المتحدة بعمل عسكرى ضد سوريا وقع الصدمة على إسرائيل. كانت الأخيرة قد استنفرت بالفعل جزءا من قواتها، وقامت بتوزيع الاقنعة الواقية من الغازات الكيماوية على السكان (باستثناء عرب إسرائيل بالطبع).

قامت إسرائيل فى ضوء ذلك بتوجيه مدفعيتها الثقيلة فى اتجاه الكونجرس، وقامت بتعبئة قوى اللوبى الصهيونى كى يمطروا أعضاء الكونجرس بالنداءات المطالبة بتفويض أوباما فى توجيه الضربة لسوريا. كانت حجة إسرائيل هى أن فى إفلات سوريا من العقاب بمثابة اعطاء الضوء الأخضر لإيران للسير فى برنامجها النووى العسكرى، دون خشية لأية عواقب.

ثم جاء الاتفاق الروسى الأمريكى فى جنيف على تفكيك الترسانة الكيماوية السورية وتدميرها، وموافقة سوريا على هذه الإجراءات، لتقضى على كل أمل لدى إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية موجعة إلى سوريا فى الظرف الحالى. تم بعد ذلك اصدار قرار من مجلس الأمن بالإجماع، وتوجهت أطقم المراقبين إلى سوريا، وكل الدلائل تشير إلى إحراز التقدم المنشود فى هذا الصدد بتعاون كامل من قبل دمشق.

إذن فشلت إسرائيل فى تحقيق غايتها فى سوريا، وتحطيم قدراتها العسكرية، ومن ثم تلقين إيران درسا بشكل غير مباشر، إلى ان يحين وقت مهاجمة إيران نفسها. ونجح أوباما فى وقف الانزلاق نحو هوة سحيقة فى منطقة الشرق الأوسط التى لا ينقصها المزيد من الاضطرابات.

•••

هذا الفشل الإسرائيلى فى جر الولايات المتحدة إلى حرب فى سوريا، قد اتبعه فشل إسرائيلى أكبر فى دفع الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران على خلفية برنامج الأخيرة النووى.

ففى الدورة قبل الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقف نتنياهو ليحاضر ممثلو الدول عن الأخطار الناجمة عن البرنامج النووى الإيرانى. استعان نتنياهو بالرسوم، وخطَ الخطوط، كأنما يلقى دروسا على طلاب المدارس. أكد نتنياهو ان أسابيع قليلة فقط تفصل بين هذا الاجتماع الأممى وتمكن إيران بالفعل من إنتاج قنبلتها النووية، فى خضم ذلك يتناسى نتنياهو أن بلاده هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لم توقع على اتفاقية منع الانتشار النووى، ناهيك عن امتلاكها لترساناتها الكيماوية والبيولوجية.

المهم ان عاما كاملا قد انقضى ولم تقم إيران بإنتاج تلك القنبلة المزعومة، ودب الخلاف بين إسرائيل وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة حول توقيت إنتاج إيران لذلك السلاح. والأهم من ذلك كله أن الولايات المتحدة تمسكت بإعطاء المفاوضات مع إيران عن طريق مجموعة 5+1 الفرصة اللازمة قبل اللجوء إلى العمل العسكرى.

•••

مر العام ولكن نتنياهو عاد ليتحدث بنفس الأسلوب فى اجتماع الجمعية العامة الحالى. تناسى رئيس وزراء إسرائيل التغيير الذى طرأ على الظروف الدولية، التى كان من أبرزها ذلك اللقاء الذى جمع بين وزير الخارجية الأمريكى ووزير الخارجية الإيرانى فى نيويورك فى اطار اجتماعات 5+1، ثم تلك المحادثة التليفزيونية التى جرت بين الرئيس باراك أوباما والرئيس حسن روحانى، وأيضا نبرة التفاؤل التى سادت التعليقات الصادرة عن الجانبين فيما يتعلق بالمستقبل.

وبالرغم مما أعلنه روحانى من على منبر الجمعية العامة بأنه لا مكان لأى برنامج نووى عسكرى فى العقيدة الحربية الإيرانية، إذ إن ذلك يتعارض مع قناعات إيران الدينية والأخلاقية، إلا أن نتنياهو قابل ذلك بوصف روحانى بأنه ذئب فى مظهر حمل، ومحذرا من الوقوع فى فخ كلامه المعسول، وحملة العلاقات العامة التى يشنها من أجل تحسين صورة بلاده. حذر أيضا من تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران زاعما بأن ذلك يعنى رفع الضغوط التى تتعرض لها إيران لإيقاف برنامجه النووى العسكرى. وأكد نتنياهو أن إيران النووية انما تهدد مستقبل إسرائيل، ولذلك فإنها ستتصرف بمفردها إذا لزم الأمر فى مواجهة إيران.

يأتى حديث نتنياهو هذا العنترى مع حلول الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر المجيدة التى استنجدت فيها إسرائيل بالولايات المتحدة منذ اليوم الأول.

•••

أما ثالثة الأثافى فقد تمثل فى الحديث الذى أدلى به نتنياهو فى تليفزيون BBC الموجهة باللغة الفارسية لإيران. بكل الغطرسة المعهودة عن نتنياهو ذكر الأخير أنه إذا كان الشعب الإيرانى يتمتع بالفعل بالحرية، لكان فى إمكانه ارتداء سراويل الجينز الزرقاء، وكان فى استطاعته الاستماع إلى الموسيقى الغربية! ما ان استمع الإيرانيون لذلك الزعم الخاطئ كليةً حتى انهالت على نتنياهو من خلال وسائل التواصل الاجتماعى التعليقات الساخرة والمتهكمة، التى تصف نتنياهو بالجهل وعدم اطلاعه على حقيقة الأوضاع فى إيران.

كان من بين هذه التعليقات الساخرة القول بأن نتنياهو بثاقب بصره تمكن من رؤية القنبلة النووية الإيرانية التى لا وجود لها، فى الوقت الذى عجز فيه تماما عن رؤية الآلاف من الشباب الإيرانى الذين يرتدون سراويل الجينز الزرقاء! شفع الشباب ذلك بنشر مئات الصور التى تكشف عن مدى انتشار ارتداء الجينز فى إيران!

•••

الأخطاء التى وقع فيها نتنياهو فى حديثه المذكور، والتى تنم عن جهل وضحالة يحسد عليها فى المعلومات عن عدو إسرائيل اللدود، إنما تؤكد لنا مرة أخرى ان إسرائيل يمكن ان تقع أسيرة لمعلومات زائفة، وتقديرات ملتبسة، فترتكب من الحماقات ما يمكن ان يكون وبالا عليها. والأخطر من ذلك أنها قد تنجح فى تضليل أطراف خارجية بمثل هذه التقديرات الخاطئة.

ولعل أبلغ دليل على ذلك ما قاله هنرى كيسنجر مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى فى ذلك الوقت، للمرحوم السيد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات للأمن القومى فى لقائهما فى روشفورت بفرنسا يوم 20 مايو 1973 ما نصه «إننا (أى الولايات المتحدة) نعتقد بأمانة أن العمل العسكرى سيجعل الموقف أسوأ مما هو عليه الآن، وان تقييمنا ان ذلك العمل لن يؤدى إلى تغيير على أرض الواقع، بل إنه بعد انتهاء العمل العسكرى فإننا سنعود إلى الموقف الذى نحن فيه الآن، ولكن تحت ظروف وخيمة بشكل أكبر»، هذا التقييم الأمريكى المبنى على ما كانت إسرائيل تروجه عن قدرتها، تبخر بعد ست ساعات من يوم حرب أكتوبر المجيدة.

•••

نعود إلى الهزائم التى منيت بها إسرائيل فى الأسابيع الأخيرة، فنجد أن الولايات المتحدة لم تنساق وراء إسرائيل فى حتمية توجيه ضربة عسكرية لسوريا، كما رجَحت الولايات المتحدة كفة العمل الدبلوماسى على العمل العسكرى فى التعامل مع الملف النووى الإيرانى.

أما إذا قررت إسرائيل أن تتصرف عسكريا بمفردها تجاه إيران، كما هدد بذلك نتنياهو. فتكون قد جنت على نفسها براقش!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved