الشبكات السياسية.. أمل المعارضة الأخير
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 19 أكتوبر 2014 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
المعارضة ليست ترفا ولا تقويضا للدولة وتنميتها وتقدمها كما يحلو للبعض أن يردد، بل هى أحد أهم عناصر تحقيق الرقابة والتوازن فى أى نظام سياسى، هى (ضمن ترتيبات دستورية وأدوات سياسية وفاعلين آخرين) ضمانة تحقيق الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، كما أنها تشكل أحد أهم عناصر منع استئثار جماعة مصلحية بعينها على عملية صنع القرار، فهى التى تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من تمثيل فئات المجتمع المتعددة فى عملية صنع وتنفيذ القوانين والقرارات.
•••
المعارضة السياسية فى مصر قطعا تعانى كثيرا، هى تعانى أولا من عطب الغالبية العظمى من قياداتها بسبب تقدم السن أو الهيمنة على عملية صنع القرار أو حتى مداهنة السلطة تحت دعوى حماية البلد من الانهيار وقد يجتمع فى بعضها ذلك كله! كما أنها تعانى ثانيا من قيود دستورية ومؤسسية وفعلية تعيقها عن العمل وعن التواصل مع الجماهير، فضلا عن مشكلات أخرى مالية وإدارية، ثم تأتى أزمتها الحقيقية فى أنها تعانى حاليا حالة «غسل الأدمغة» التى يتعرض لها المجتمع تحت وطأة وضغط صقور الإعلاميين وبعض حلفاء النظام ممن يروجون للناس أن المعارضة من عمل الشيطان وأن الوطنية تقتضى أن ندعم الرجل الواحد الذى نثق فيه حتى لا تسقط البلاد! حملة مازالت تقنع الناس أن البرلمان مقيد لعمل الرئيس وأننا يجب أن نبقى جميعا على «قلب رجل واحد» حتى لا نتفكك! حملة رجعية ذكرتنى بأحد المنبطحين الإسلاميين ممن يصفون الديموقراطية بالكفر لأنها تدعو إلى التعددية الحزبية وأن الإسلام يرفض التحزب لأنه يعنى الانقسام!
لا يعنى هذا قطعا أننى من هؤلاء الذين يروجون لسردية المظلوميات التى تبكى قلة حيلة المعارضة الملائكية فى مواجهة النظام الشيطانى، فليست وظيفة المعارضة فى لطم الخدود ولا شق الجيوب مهما كانت الأوضاع السياسية صعبة أو خانقة كما هى الآن، ولكن واجبها هو الاشتباك مع الأوضاع القائمة والسعى إلى تغيير المعادلة السياسية وقواعد اللعبة مهما كانت الظروف أو التكلفة وبكل الطرق القانونية السلمية الممكنة وهذه هى السياسة ومن لا يقدر عليها لا يمارسها ببساطة.
فى ظل تلك الظروف العصيبة وأمام هذا القمع الممنهج أمام المعارضة المصرية أربع خيارات كبرى عليها أن تقرر أيهما ستختار خلال المرحلة القادمة مع حساب كلفة كل خيار:
الخيار الأول: هو خيار الانسحاب الكلى من العملية السياسية بداية من الانتخابات البرلمانية القادمة ومرورا بالانتخابات المحلية المنتظر عقدها خلال السنوات الثلاث القادمة. هذا الانسحاب قد يعنى حل الأحزاب تماما تلقائيا أو تجميدها لإحراج النظام، أو إبقاء الحزب دون الدخول فى الاستحقاقات الانتخابية لحين حدوث تغير درامى فى المشهد السياسى! هذا الخيار ميزته الوحيدة هو عدم تورط الأحزاب السياسية المعارضة أو خضوعها لقواعد لعب غير عادلة، لكن الكلفة هنا عالية للغاية، لأنها تعنى انعزالا تاما عن المشهد السياسى وعن الجماهير وعن الواقع والعجز عن تطوير بدائل سياسية والاكتفاء بكتابة المذكرات السياسية واعتزال السياسة قبل الأوان.
الخيار الثانى: وهو خيار قبول الأمر الواقع والانخراط الكامل فى قواعد اللعبة السياسية حتى لو غير عادلة بل والدفاع عنها باعتبارها أفضل المتاح أو باعتبارها ضرورة لابد منها لحماية الدولة من الانهيار. يعنى هذا الخيار أن تتماهى المعارضة تماما مع النظام الحاكم وتتبنى هى مسئولية الدفاع عنه وعن سياساته، قد يكون المكسب هنا بعض الحماية الأمنية مع بعض التلميع الإعلامى، لكن ستكون الخسائر كبيرة، وأهمها المقامرات قصيرة الأجل التى عادة ما تنتهى بخسائر فادحة، فضلا عن انتفاء صفة المعارضة عن الحزب دون حتى أن يلعب دور السلطة، هو فقط يقف عند حد القبول بالفتات المسموح له وحينما يؤدى دوره ولا يصبح هناك جديد يقدمه فإن التخلص منه سيكون بلا ثمن يذكر!
الخيار الثالث: هو أن تتحول الأحزاب السياسية ثانية إلى الحراك فى الشارع، فتعود إلى محاولة تكتيل الجماهير عن طريق الحشد فى الميادين والتظاهرات لصالح قضايا معينة أو حتى فى سبيل كل القضايا المطروحة للنقاش العام، وبذلك تكون الأحزاب أقرب للحركات الاجتماعية الثورية منها للأحزاب السياسية، وهو خيار مطروح بلا ريب لكن لا أظنه ناجح إطلاقا فالشارع أولا رافض لأى مظاهر حراك فيما يبدو كما أن الحزب الذى سيقدم على هذه الخطوة سيقدم نفسه فريسة مجانية للنظام وللإعلام ولا أظنه خيارا فعالا حتى الآن على الأقل.
أما الخيار الأخير: هو خيار خلق شبكات سياسية عرضية من خلال لعب دور ثلاثى الأبعاد، البعد الأول هو دور الحزب المنخرط فى السياسة والانتخابات والمواءمات..الخ البعد الثانى هو دور جماعة المصالح الساعية إلى التشبيك مع شبكات متنوعة من رجال الأعمال وقادة الرأى العام والإعلاميين ورجال الإدارة العليا والسياسيين للضغط لصالح قضايا معينة سياسية كانت أو حقوقية من خلال أدوات متنوعة أهمها العلاقات الشخصية والمصلحية، أما البعد الثالث لهذا الدور فهو بعد «المنسق المجتمعى» الساعى إلى عمل تشبيك مواز للتشبيك الأول وهذه المرة مع فئات مجتمعية متعددة ومتماسكة إلى حد ما كالنقابات والطلاب والعمال ومؤسسات المجتمع المدنى..الخ. هذا الخيار رغم كلفته العالية المتمثلة فى بذل الوقت والجهد والتعرض للضغوط التى قد تستنزف الحزب إلا أنه يظل الخيار الأنسب بسبب تنويع جبهات الصراع والتنافس وعدم قصرها على الانتخابات فحسب مع إعطاء قدرة نسبية للحزب وكوادره على تطوير الخبرات العملية فى التعامل مع الحكومة والأجهزة السيادية والمؤسسات القوية بالتوازى مع تطوير قنوات تواصل تدريجية مع الجماهير فى الدوائر الانتخابية. لكن يتطلب القيام بهذا الدور الأخير خمسة شروط رئيسية:
الأول: تنمية وعى وإدراك كوادر الحزب أن التنافس طويل ويتخطى مجرد الانتخابات البرلمانية القادمة (بفرض حدوثها) إلى المنافسة فى المحليات وتحضير مرشح قوى فى الانتخابات الرئاسية القادمة والبحث عن حلفاء فى النقابات.
ثانيا: قيام الشباب داخل كل الأحزاب بحركة لتصحيح الأوضاع ومنع الركود والضغط من أجل تبنى إصلاحات داخلية فورية على هيكل وأطر عمل الحزب.
ثالثا: القيام فورا بعمليات دمج للأحزاب السياسية المتشابهة، فالدخول فى مفاوضات للدمج مع الأحزاب الأخرى المشابهة يجب أن يبدأ سريعا حتى يتم الدمج فى أقرب فرصة سواء قبل أو بعد الانتخابات البرلمانية وذلك لتوسيع مقدار الموارد البشرية والمادية والتنظيمية المتاحة.
رابعا: التحرك العرضى وليس الطولى فى المجتمع، بمعنى عدم اقتصار العمل الحزبى على معركة البرلمان ولكن توسيعها لتشمل معارك أخرى كمعركة استقلال الجامعات وإصلاح أجهزة الدولة وانتخابات النقابات وقوانين التظاهر وقضايا العمال..إلخ أخذا فى الاعتبار أن الاشتباك العرضى هذا لا يهدف بالضرورة إلى الانتصار فى كل هذه المعارك أو القضايا بقدر ما يهدف إلى توسيع الشبكات السياسية الداعمة للحزب مستقبلا فضلا عن إكساب كوادر الحزب خبرات عملية تتخطى إدراك قوانين الانتخابات إلى واقع النقابات والجامعات والعمال والجهاز البيروقراطى بما يخدم تقديم بدائل وسياسات واقعية.
وأخيرا يتطلب ذلك كله حرص الأحزاب على إنشاء وحدات بحثية محدودة بباحثين متخصصين فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية التنموية لتقديم رؤى واقعية ما بين متوسطة إلى طويلة الأجل كبدائل سياسات وتشريعات متاحة لدى الحزب فى المستقبل.
•••
تمر السياسة المصرية بمأزق بلاشك، فهناك رجل واحد يدير المشهد هو نفسه أصبح مصدر شرعية واستقرار النظام، تجمعت حوله شبكات مصالح متعددة ومعقدة تحاول التأكيد على قواعد اللعب القديم وبسبب خبرته السياسية المدنية المحدودة فهو حتى الآن لا يبدى مقاومة ظاهرة للتغلب على هذا المأزق، واستمرار الوضع الراهن على ما هو عليه دون اتباع السيناريو الرابع (سيناريو الشبكات السياسية العرضية) من قبل أحزاب المعارضة، فإن النظام بمؤيديه ومعارضيه سيذهب سريعا إلى أزمات سياسية مروعة.