هل ما زال من الممكن إنقاذ المركب اللبنانى من الغرق
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 19 أكتوبر 2020 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
فى الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة أو الثورة أو الحراك، وأيا كان التوصيف الموضوعى لما حصل فى 17 تشرين الأول من العام الفائت وما نتج عنه، فإنه شكل لحظة مفصلية فى تاريخ لبنان فلم يعد من الممكن العودة إلى الوراء وطى الصفحة. لحظة كانت بمثابة جرس إنذار للانهيار المتسارع الذى وصل إليه لبنان، انهيار يهدد بحصول انفجار اجتماعى كبير وخطير بتداعياته على الوطن؛ مجتمعا ودولة. ارتفعت نسبة الذين يعيشون على خط الفقر إلى أكثر من 55 بالمائة، فيما 23 بالمائة يعيشون فى فقر شديد. وهذه النسب فى ارتفاع. انهارت العملة الوطنية كما تجاوز عدد العاطلين عن العمل المليونين حاليا.
سمات ومؤشرات الدولة الفاشلة صارت واضحة فى لبنان. البيت يحترق وما زال الخلاف قائما حول «جنس الملائكة» كما تدل على ذلك المناورات والاشتباكات السياسية عشية انتظار وقد يطول هذا الانتظار، ولادة حكومة الإنقاذ الوطنى تحت عنوان «حكومة المهمة»: حكومة التكنوقراط التى يفترض أن تنشط كفريق عمل متماسك لتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلى المطلوب والمتفق عليه. البعض الآخر يتحدث عن حكومة تكنوقراط ممسوكة سياسيا عن بعد من قبل الأطراف التى ستدعم قيام حكومة تحت هذا العنوان: فلا شيك على بياض «لحكومة المهمة» وذلك لأسباب سياسية متعددة وهذا تحد أو عائق أساسى أمام الإصلاح المطلوب.
أزمة حكومة كشفت أزمة حكم وقد شاهدنا ونشاهد بعض إرهاصاتها ثم فى حقيقة الأمر أزمة نظام كما نشهد فى التراشق الحاصل حول «اتفاق الطائف»، وهو أساس الدستور الحالى، ومدى تطبيقه وضرورة تطويره والذهاب به إلى آخر الطريق بما طرحه من تغيير لم يحصل لحينه. والبعض يتحدث بشكل مباشر أو غير مباشر عن التخلص من «الطائف» بعد تغير الظروف والتوازنات التى أتت به. كلها عناصر تدل على أننا أمام أزمة نظام قام على توازنات وتفاهمات معينة بعد أن تغيرت هذه التوازنات والتفاهمات الإقليمية والداخلية التى أنجبت «اتفاق الطائف».
الكل يرحب ويؤيد المبادرة الفرنسية ولكن الكل يفسرها على هواه. الكل يراهن على تغيرات إقليمية فى ظل اشتداد الصراع فى المنطقة وكذلك موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بما قد تحمله من نتائج حسب قراءة مختلف الفرقاء فى لبنان والمنطقة، فيما الوقت يمر وكلفة الإنقاذ تزداد.
أليس من الضرورى اليوم التوصل إلى هدنة سياسية بغية إنقاذ الوطن فالجميع خاسر فيما لو غرق المركب اللبنانى وهو فى طريقه إلى الغرق إذا لم نسارع إلى عملية إنقاذه.
أليس من المطلوب والوقت ضاغط وداهم والتداعيات خطيرة وتزداد خطورة كل يوم على الجميع، أن تجلس مختلف المكونات السياسية سوية والتقت سوية فى مطلع سبتمبر مع الرئيس الفرنسى، وربما برعاية فرنسية، للبحث فى خطة العمل الإصلاحى بشكل دقيق ومفصل وليس بالعناوين التى قد لا يختلف عليها أحد، وقد شاهدنا ذلك سابقا، طالما بقيت على مستوى العناوين والعموميات، وكذلك للاتفاق حول خريطة طريق تنفيذية محددة وجدول زمنى واضح للتنفيذ. اجتماع من هذا النوع بطبيعته ونتائجه كما أشرنا يساعد على تشكيل حكومة المهمة وكذلك على الإسراع فى تنفيذ مهامها الإصلاحية. ولكن الاكتفاء بالتأييد المبدئى والعام والمهم فإنه سيحمل الكثير من القنابل الموقوتة والتى يمكن أن تنفجر أو تفجر فى وجه «حكومة المهمة» متى شكلت، والبعض يقول إن شكلت، ويعيدنا إلى نقطة الصفر.
فهل ننقذ المركب اللبنانى من الغرق أم نستمر فى التقاتل خدمة للمصالح الداخلية الفئوية الضيقة وكذلك الإقليمية والدولية الاستراتيجية الكبيرة التى تتماهى معها أكثرية الأطراف اللبنانية خدمة لأهدافها ومصالحها الداخلية، فيغرق المركب اللبنانى بجميع ركابه ولو انتصر الحليف الخارجى لهذا الطرف أو ذاك. وتصبح الهجرة من الوطن على مراكب الموت عنوان الخلاص بعد أن نكون قد «خلصنا» على الوطن.