المصالحة مع محمد محمود قبل المصالحة مع الإخوان
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى مثل هذا اليوم عام 2011، كان عشرات الآلاف من شباب الثورة يدقون المسمار الأخير فى نعش دولة مبارك الاستبدادية، وسقط منهم أكثر من 40 شهيدا و3 آلاف مصاب، فى حرب شوارع استغرقت أسبوعا كاملا، كانت دماؤهم الطاهرة قربانا لسقوط مدوٍ لفكرة الدولة الأمنية فى مصر التى تضبط ايقاع الشارع السياسى، ولإنهاء عصور طويلة من استخدام الأمن لقمع اى حركات احتجاجية، بل واستخدامه أيضا فى ضبط سلوكنا الاجتماعى بإشاعة الخوف والرعب من وزارة الداخلية وجهازها الخطير المسمى بأمن الدولة، الذى كان الحاكم الفعلى للبلد، والذى كان يقف خلف أى قرارات تصدرها السلطة.
وقد يكون من قبيل المبالغة الادعاء بأن «الدولة الأمنية» فى مصر قد ولت بغير رجعة، أو أنها اصبحت جزءا من تاريخنا الأسود، ففى الحقيقة انها لا تزال موجودة وتمارس «دوراً ما» فى حياتنا، لكن المؤكد أنها سقطت كفكرة وكشرعية تقبلها الجماهير وهى تدرك عدم أخلاقية هذه الدولة وعدم قانونيتها بل وعدم جدواها، فهذه الدولة الأمنية فى الواقع لا تزال تمارس دورها بشكل مختلف ربما يكون بطريقة اكثر نعومة وأقل فظاظة، لكنها موجودة معنا، وتظهر لنا أنيابها ومخالبها بين الحين والآخر.
ومع سقوط الدولة الأمنية كفكرة وكشرعية نتيجة لأحداث محمد محمود، فإن الكثير من الجهات المحسوبة على معسكر الثورة المضادة، لا يتوانى عن تقديم قراءات مشوهة لما حدث فى محمد محمود، بعضها يلقى المسئولية على جماعة الإخوان ويتهمه صراحة بقتل الثوار والشرطة بالرصاص لتبرئة الداخلية، وبعضها يعتبر أن ما حدث كان زوبعة فى فنجان، والبعض الآخر لا يريد ان يفتح هذه الملفات القديمة ويكتفى باحتفالات ومهرجانات لا لون لها ولا رائحة..!!
الطريق الوحيد الذى يجب ان تسير فيه السلطة الجديدة فى مصر، لو كانت تريد فعلا التعبير عن ثورة 25 يناير هو أن تحاسب هؤلاء الضباط الذين فضوا اعتصام مصابى الثورة فى صينية ميدان التحرير بالقوة المسحلة وقتلوا اثنين منهم وهم نيام داخل خيامهم، ثم واصلوا المجزرة فى الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية، ليسقط الآلاف من القتلى والجرحى من الشباب المطالبين بالحرية والحياة الكريمة.
كان من الواجب على الحكومة التى يبحث بعض وزرائها الكبار عن المصالحة مع الإخوان، أن يبحثوا عن طريق المصالحة مع الشعب ومع الثوار، بانتهاج سياسات تحارب الفقر وتحقق الحريات وتبنى دولة القانون، وقبل ذلك كله بالقصاص لدماء شهداء ومصابى محمد محمود وغيرها من احداث العنف التى مارستها قوات الأمن ضد الثوار، وهو ما لم يمكن ان يتحقق إلا بتقديم الجناة مهما علا شأنهم ومناصبهم لمحاكمات عادلة، فقد آن الأوان لكى نضع نهاية لهذه المرحلة العبثية التى نعيشها وتنهال خلالها فوق رءوسنا أنصاف الحلول، وأنصاف الحقائق، فلا أحد من المصريين الان مستعد لقبول نصف ثورة ونصف انتصار.. ونصف هزيمة!