عندما تتغير ملامح المصريين

عاصم أبو حطب
عاصم أبو حطب

آخر تحديث: الخميس 19 نوفمبر 2015 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

فى أكتوبر الماضى، صدر تقرير لصندوق النقد الدولى حول توقعات نمو الاقتصاد العالمى، وأشار التقرير إلى تحسن معدلات النمو الاقتصادى فى مصر والتى من المتوقع أن تبلغ نحو 4.2% بنهاية العام المالى الحالى، كما توقع التقرير أن يستمر هذا النمو ليصل إلى 5% فى عام 2017. وفى أواخر الشهر ذاته، صدر تقرير آخر لصندوق الأمم المتحدة الإنمائى بالتعاون مع وزارة التخطيط حول التقدم والنجاح الذى أحرزته مصر فى تحقيق العديد من الأهداف الإنمائية للألفية. كذلك، أشاد البنك الدولى منذ أسابيع قليلة بجهود الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، التى اتخذتها الحكومة بهدف إصلاح بنية الاقتصاد الكلى والتأسيس للعدالة الاجتماعية وتنفيذ عدد من المشروعات القومية وكذلك البدء فى تنفيذ الاستراتيجية المتكاملة للإصلاح المؤسسى والإدارى. ولا شك أن هذه التقارير تحمل رسالة قوية للمؤسسات المالية وللمستثمرين حول تعافى الاقتصاد المصرى وتحسن مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال فى مصر.

وخلال متابعتى لهذه الأخبار السعيدة، راودنى سؤالين حول دلالية هذه التقارير بالنسبة لجموع المواطنين، فماذا تعنى هذه التقارير الدولية بالنسبة للمواطن المصرى البسيط؟ وهل البيانات الحكومية حول تحسن الأداء الاقتصادى قادرة على بعث مزيد من التفاؤل والسعادة فى نفوس المصريين؟

***

إن المواطن المصرى بطبيعته وموروثه الثقافى لا يثق كثيرا فيما يسمع ولا يطمئن قلبه حتى يرى الأشياء حقيقة ويبصرها واقعا ملموسا. ولعل لسان حاله حين يطالع هذه التقارير هو قول أبو الطيب المتنبى» خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به.. فى طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل». فالتقارير الاقتصادية التى تصدرها المنظمات الدولية والمحلية ــ ولست مشككا هنا فى دقتها أو مصداقيتها على الإطلاق ــ لا يمكن أن تكون معياراً فصلاً فى قياس النمو أو مؤشرا دقيقا فى تقويم جهود التنمية وخصوصا فى الدول النامية لأسباب كثيرة معلومة ولا مجال هنا لسردها، وإنما يبقى المعيار الحقيقى والمؤشر الأدق لحال الإقتصادات ومستويات أدائها هو مدى إنعكاس نتائج النمو وجهود التنمية على المواطنين من حيث تحسن مستويات معيشتهم ورفاهيتهم.

ودعونى أعود بكم قليلاً للوراء، فعندما جاءت حكومة الدكتور نظيف للسلطة فى عام 2004، ارتكزت استراتيجيتها على دفع النمو الاقتصادى بتحفيز أرباح واستثمارات القطاع الخاص الأمر الذى من شأنه خلق فرص عمل وتحسين الدخول وتقليص الفقر وتحقيق تنمية مجتمعية شاملة. وقد نجحت هذه الاستراتيجية على مدى سنوات فى تحقيق الهدف «الظاهرى» منها حيث قفزت معدلات النمو الاقتصادى إلى ما يقرب من 7% وتزايد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، واتفعت حصيلة العملة الأجنبية وتحسنت الكثير من مؤشرات أداء الاقتصاد الكلى الأخرى. وإبان ذلك، كانت الحكومة ومن ورائها الآلة الإعلامية الرسمية تغرق مصر بطوفان من البيانات التى تشير إلى أدائها الاقتصادى الرائع، كما هللت المؤسسات الدولية الاقتصادية وأشادت مطبوعاتها بأداء الحكومة المصرية وإنجازاتها الإقتصادية.

وعلى الرغم من ذلك كله، فقد شهدت هذه الفترة تناقضا صارخا بين الإنجازات، التى تباهت بها الحكومة وأشادت بها المنظمات الدولية، وبين المعاناة التى شعر بها المواطن المصرى لا سيما فى ظل غياب سياسات واضحة لتوزيع عوائد النمو على المجتمع، الأمر الذى أدى إلى اتساع الفجوات والفروق بين طبقات المجتمع، وتدهور معدلات توزيع الدخل والثروة وتركيزها فى يد شريحة محدودة من المجتمع. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر خلال هذه الفترة إلى 16 مليون نسمة، وارتفع عدد سكان المناطق العشوائية إلى نحو 12 مليون نسمة من جملة السكان. وخلال هذه الفترة أيضا، عرفت مصر الإضرابات العمالية والاعتصامات بشكلها الذى لم تعتده خلال ثلاثين عاما من حكم مبارك، وتشكلت خلالها ملامح الحراك الإجتماعى الذى أطاح بالنظام السياسى لاحقا وبعد سنوات معدودة.

***

وفى هذا السياق، تحضرنى مقولة عبقرية فى غاية الدلالة لرئيس وزراء إسبانيا الإسبق ــ فيليبى جونزاليس ــ والذى حين سُئِل «متى تأكدت من تحسن الأحوال الاقتصادية فى إسبانيا؟»، كانت إجابته «تأكدت من ذلك عندما رأيت ملامح الإسبانيين قد تغيرت». ويا لها من إجابة حكيمة وكلمات بليغة لا نجدها فى المؤشرات الاقتصادية التقليدية وتقارير المنظمات الدولية. فتحسن الأوضاع الاقتصادية فى مجتمع ما قد لا يظهره تقرير دولى أو بيان حكومى، وإنما يعكسه تحسن المستوى المعيشى للمواطنين، حين تتاح لهم مقومات الحياة الإنسانية الكريمة فيشعرون بالأمن والأمان، وترتفع دخولهم الحقيقية بما يتناسب مع تكاليف الحياة المتزايدة، وتتوفر لهم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية لائقة، وتُصان حرياتهم وحقوقهم وكرامتهم، وغيرها من أبجديات الاحتياجات والحقوق الإنسانية. فهذه الدعائم حال توافرها ستتحقق للمواطنين رفاهية تمكنهم من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم ومن ثم يزداد الشعور بالرضا والسعادة. عندها فقط، ستتغير ملامح المصريين لتصير أقل عبوسا واكتئابا، وتصبح أكثر بشاشة وإقبالاً على الحياة والعمل والإنتاج، وستنعكس حينها مؤشرات وبيانات التقارير الدولية والحكومية على ملامحهم ووجوههم.

ولذلك، فمرحبا بالتقارير الدولية وأهلاً بالبيانات الحكومية، ولكن يبقى المعيار الحقيقى والأدق فى التعبير عن تحسن أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية هو «عندما تتغير ملامح المصريين»!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved