العراق بعد الانتخابات

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 20 مارس 2010 - 11:15 ص بتوقيت القاهرة

 تشير ما أعلن من نتائج حتى الآن للانتخابات العراقية التى جرت يوم 7 مارس الجارى إلى تقدم أربعة ائتلافات رئيسية، وهى ائتلاف دولة القانون (برئاسة نورى المالكى)، والكتلة العراقية (برئاسة إياد علاوى)، والائتلاف الوطنى العراقى (برئاسة عمار الحكيم)، والتحالف الكردستانى (برئاسة مسعود بارزانى). أما تشكيل الحكومة الجديدة، وشغل مناصب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، فسيتوقف على ما يمكن أن تتوصل إليه هذه الائتلافات من توافق من خلال مساومات ومقايضات لا مفر منها.

ومهما يكن الأمر فإن العراق، تحت إمرة أى حكومة قادمة، سيكوم مسرحاً لصراعات شتى بين قوى خارجية كل منها تحرص على أن تظل لها كلمة مسموعة من خلال اتفاقات وتفاهمات ومصالح مشتركة مع نظام الحكم الجديد.

ولاشك أن التجربة الأهم التى سيكون على أى حكومة عراقية جديدة أن تخوضها ستتمثل فى شكل العلاقة المستقبلية بين العراق والولايات المتحدة. وقع العراق بالفعل اتفاقيتين مع الولايات المتحدة فى يوم واحد وهو 17 نوفمبر 2008 أى فى أواخر أيام إدارة بوش. تولى التوقيع على الاتفاقيتين كل من وزير خارجية العراق زيبارى والسفير الأمريكى فى بغداد كروكر. الاتفاقية الأولى تتناول وضع القوات الأمريكية فى العراق حتى يتم انسحابها فى آخر شهر ديسمبر 2011، وأنشطتها حتى ذلك التاريخ ومراحل الانسحاب. أما الاتفاقية الثانية فحملت عنواناً طناناً يليق بالعلاقات التى تبغيها الولايات المتحدة مع العراق قبل وبعد الانسحاب. وأطلق على هذه الاتفاقية «اتفاق الإطار الإستراتيجى للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق». وتشمل الاتفاقية بنوداً تتناول التعاون بين البلدين فى الأمور الاقتصادية والاستثمارية والعلمية والثقافية ونقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى الجوانب الدفاعية والأمنية. وأكدت الاتفاقيتان أهمية استمرار التعاون الوثيق بين البلدين فيما يتعلق بالدفاع والترتيبات الأمنية وكذلك دعم المؤسسات العسكرية والأمنية. ويشمل هذا التعاون مجالات تدريب وتسليح قوات الأمن العراقية من أجل محاربة الإرهاب الداخلى والخارجى.

فإذا كانت الولايات المتحدة قد وقعت بالفعل اتفاقيات مع العراق تضمن تعاونه ربما لعقود طويلة، فما هو سر اهتمام أمريكا بشكل الحكومة الجديدة فى العراق؟ تجيب على هذا السؤال ميجان أو سوليفان فى مقال لها بجريدة الواشنطن بوست يوم 7 مارس الجارى. أو سوليفان عملت كنائبة لمستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد بوش، وكمستشارة لسلطة الائتلاف المؤقتة التى أقيمت فى العراق بعد الاحتلال مباشرة. أبدت المسئولة السابقة فى البداية تخوفها من طول الفترة التى سيستغرقها تشكيل الحكومة الجديدة والتى قد تمتد لأشهر، مشيرة إلى أن ذلك سيُعَقِّدْ مسار العد التنازلى للانسحاب.

وتضيف أن أهمية الحكومة العراقية الجديدة بالنسبة للولايات المتحدة تكمن فى أنها ستتولى المسئولية فى تلك الفترة الحساسة التى يتم فيها سحب القوات الأمريكية بالكامل مع نهاية العام القادم. وتشير إلى أن هذه الحكومة أيضاً هى التى ستقوم بصياغة العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة لسنوات مقبلة. وأخيراً كما تقول أو سوليفان سيكون على هذه الحكومة أن تقرر طبيعة الموقف الذى ستتخذه إذا ما وقع الصدام بين «المجتمع الدولى» والجارة إيران. وفى المقابل ترى المسئولة السابقة أن الحكومة العراقية القادمة ستكون بدورها أحرص ما تكون على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة أخذاً فى الاعتبار حاجتها إلى المعدات والتدريب لقواتها الأمنية بالإضافة إلى اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ ما اتفق عليه فى مجالات التعاون المختلفة الاقتصادية والثقافية وغيرها.

لم يتصور أحد بالطبع أن الولايات المتحدة سترضى من الغنيمة بالإياب بعدما أنفقت ما أنفقته على عملية الغزو والاحتلال للعراق، وما تكبدته من خسائر بشرية طوال السبع سنوات الماضية. لن تتخلى الولايات المتحدة من موقع إستراتيجى فريد وهو فى العراق الذى حباه الله أيضاً بمعين لا ينضب من البترول ستتولى الشركات الأمريكية والمتعددة الجنسيات مهمة استخراجه واستغلاله. ولن تعدم الولايات المتحدة الوسيلة لضمان استمرار نوع من الوحود تحت مختلف المسميات، ولديها فى برامج تدريب القوات العراقية وتسليحها ما يوفر الغطاء اللازم لاستمرار مثل هذا الوجود.

أما التحدى الآخر الذى على الحكومة العراقية الجديدة أن تتعامل معه فهو ذلك المتعلق بالعلاقة مع إيران. حققت إيران كسباً لا قبل لها به فى العراق بزوال حكم صدام، وبسطت نفوذها تدريجياً وتنوعت أساليب تدخلاتها وتأثيرها على مجريات الأمور وفقاً لما يقتضيه الحال. ومع انسحاب القوات الأمريكية فإن الساحة ستنفتح بالمزيد أمام إيران فى أرض الرافدين. لست مع من يرى أن مصلحة إيران هى فى بقاء القوات الأمريكية فى العراق بحيث يستمر مسلسل استنزافها وتبقى هذه القوات رهينة فى متناول إيران يمكن أن تطبق عليها أو تكبدها الخسائر فى أى مواجهة مقبلة. اعتقادى أن العكس هو الصحيح إذ إن الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق يمكنه أن يطال إيران بأقصر الطرق إذا ما وقعت الواقعة واندلع القتال.

وبالنسبة للدور الذى يمكن أن تقوم به الدول العربية فى العراق بعد الانتخابات فقد كان ذلك أحد الجوانب التى تناولها المؤتمر المهم الذى نظمه المركز الديمقراطى للدراسات الإستراتيجية، ودعيت للمشاركة فيه، والذى حمل اسم «الانتخابات العراقية وانعكاساتها المحتملة على مستقبل العراق والمنطقة العربية». صدر عن المؤتمر توصية تقول إنه «باعتبار أن الانتخابات العراقية سوف تفرز حكومة تتحمل مسئولية التخطيط لمستقبل العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية، وبغض النظر عن التعقيدات التى تحيط بالدور العربى، فلابد من صياغة موقف عربى فاعل يستهدف فى المقام الأول المحافظة على الهوية العربية للعراق وإعادة اللحمة بين أطياف الشعب العراقى وفقاً لمبادئ التوازن والعدالة، والحد من التدخلات الأجنبية المشبوهة التى تستهدف التحكم فى المستقبل العراقى بكل أبعاده».

ثم انتهت التوصية إلى اقتراح آليات محددة من أجل وضعها موضع التنفيذ، كان من أولها المبادرة إلى طرح القضية العراقية على القمة العربية القادمة بغرض دعم وحدة العراق وسيادته والمحافظة على هويته. وفى نفس الوقت الالتفاف على سبل مساعدة العراق بطريقة فعالة فى عملية إعادة الإعمار. هذا مع فتح قنوات الاتصال مع كل القوى السياسية على الساحة العراقية بما يخدم الصالح العراقى.

وأعتقد أن هذه التوصية تأتى تعبيراً صادقاً عن أهمية الدور الذى يتعين على الدول العربية أن تلعبه تجاه العراق من أجل مساعدته على طى صفحات احتلال بغيض واستعادة مكانه الطبيعى بين أمته العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved