حديث الوباء: استفت عقلك.. لا قلبك
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 20 مارس 2020 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
درجنا على اللجوء لعبارة متداولة وردت فى تاريخنا فى أكثر من سياق اجتماعى أو دينى: استفت قلبك. اليوم أمام ما نواجه من تحدٍّ صعب وخيار قاس أعتقد أنه من الحكمة أن نستفتى قلوبنا فيما يوحى بالأمل ونترك الأمر تماما لحديث العقل حينما يبدأ العمل.
بدأت الدولة فى اتخاذ قرارات سبقتها إليها دول أخرى فى توقيتات سابقة كان الأمر فيها بلا شك أكثر خطورة مما نحن فيه الآن، لذا يجب علينا الآن تنفيذها بذات الصرامة التى اتخذتها بقية الدول حتى نضمن سلامة الوقاية.
نجحت الصين فى احتواء عدوى الفيروس الضارى خلال أشهر ثلاثة بفرض نظام حديدى للعزل اعتمادا على قدرات مؤهلة تمتلكها بداية مما يطلق عليه «Big Data» من نظام معلوماتى يحتفظ لكل فرد من مواطنيها بجميع مع يعرف عنه من معلومات تبدأ بالرقم القومى إلى عاداته الصحية وأسلوب حياته، يمكن التنبؤ بما قد يتعرض له من أمراض فى حياته، تعتمد الصين على إحكام مراقبة مواطنيها بالكاميرات فى كل مكان، تمتلك الصين تكنولوجيا يقف العالم كله الآن مذهولا من تطورها، الأمر الذى مكنها من إنشاء مستشفيات كاملة التجهيز وتشغيلها فى عشرة أيام فقط واستخدام أشكال شتى من الروبوت لتعقيم الشوارع ونقل الرسائل للمواطنين بل وخدمة المرضى فى المستشفيات، لم يتوقف العلماء فيها لحظة عن سباق الزمن لتحضير مصل واق من العدوى وعلاج لها، الأمر الذى دفع رئيس منظمة الصحة العالمية إلى التصريح بأن تجربة الصين فى مواجهة العدوى الكارثية لا نظير لها فى التاريخ!!
نجحت الصين بنظامها السياسى الاستبدادى فى محاصرة الوباء الذى انتشر منها إلى كل بلاد العالم، فكان أن اجتاح إيطاليا بلد الحياة البهيجة التى يتحاور سكانها بالغناء ويعيشون حتى الآن حياة غنية بدفء العائلة يتحلقون فى المساء حول مائدة عشاء جماعى يحكون فيها أحاديث الليل والنهار. اليوم نسبة وفيات إيطاليا تفوق الصين بؤرة تفشى الوباء. لم تنجح الديمقراطية فى إيطاليا فى توفير نظام صحى قوى يمكنه احتواء الكارثة فترك المسنون فيها يواجهون مصيرا مؤلما حينما عجزت الرعايات المركزة فى المستشفيات عن استقبالهم لقلة عددها.
لا يعنى هذا على وجه الإطلاق أن يتخلى العالم عن إنسانيته أو نظمه الديمقراطية فى مقابل أنظمة استبدادية إنما يعنى أن العالم فى لحظة فارقة يجب أن يستخدم فيها عقله ويحتفظ بقلبه بعيدا عن القرار.
لا نملك قدرات الصين المذهلة ولكن أوجه الشبه بين المصريين والإيطاليين والتى يضفى ملامحها البحر الأبيض المتوسط تدفعنى للانحياز لهم فقد انفطر قلبى لما ألم بهم وإن كنت أدعو الله بصدق ألا نلقى مصيرهم.
اليوم نقف جميعا على حافة هاوية بلا قرار، فهل تكون لحظة فارقة فى تاريخ مصر والمصريين؟
خطر الفيروس أصبح واضح المعالم.. الخطر الحقيقى يكمن فى سلوكياتنا التى يجب أن تبدأ فى التغيير دون مقاومة حتى لا نجبر على تغييرها بالقوة التى تبدو بالفعل ضرورية ومطلوبة فى تلك الأحوال.
فلننصت فقط لعقولنا: لنستعد للأسوأ بلا تهويل ولنتعلم كيف نحمى أنفسنا بلا تهوين ولا نستفتى قلبا يمسه الجزع والخوف ويفزع لكل حديث مغرض أو شائعة، فقط الجأ إليه فى الدعاء أن يحفظ الله الإنسان فى كل مكان.