ما فرص تفجر الانقسامات داخل إدارة ترامب؟
قضايا عالمية
آخر تحديث:
الخميس 20 مارس 2025 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية مقالا للكاتب يوسف داوود، ذكر فيه أمثلة على الخلافات الدائرة بين وزراء الإدارة الأمريكية الجديدة، وما العوامل التى قد تحول هذه الخلافات إلى انقسامات علنية قد تنتهى بالتغيير / الإقالة... نعرض من المقال ما يلي:
شهد فريق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرا سلسلة من الخلافات والتوترات الداخلية التى أثارت تساؤلات حول تماسك إدارته. وقد نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أن هناك خلافات قد برزت خلال اجتماع لمجلس الوزراء؛ حيث نشب جدل حاد بين إيلون ماسك المعين على رأس إدارة الكفاءة الحكومية، ووزير الخارجية ماركو روبيو حول تخفيضات الميزانية. بالإضافة إلى ذلك، تعالت الأصوات بشأن وجود صدامات أخرى بين ماسك ووزراء آخرين.
• • •
يمكن رصد أهم هذه الخلافات على النحو التالى:
أولا: الخلاف بين روبيو وماسك حول سياسات التقشف: بدأ الخلاف خلال اجتماع لمجلس الوزراء عندما انتقد ماسك عدم تنفيذ روبيو تخفيضات واسعة فى عدد موظفى وزارة الخارجية، متهما إياه بالمماطلة فى تقليل حجم الجهاز البيروقراطى. وتشير المصادر الصحفية إلى أن رد روبيو جاء سريعا، مشيرا إلى أن 1500 موظف قد قبلوا عروض التقاعد المبكر، مؤكدا أن عملية تقليص العمالة يجب أن تتم بحذر من دون الإضرار بعمل الوزارة. لم يكن هذا الخلاف الأول بين الرجلين؛ إذ يُقال إنهما تصادما سابقا حول قضايا أخرى متعلقة بالإصلاحات الحكومية.
ثانيا: خلافات ماسك مع وزير النقل شون دافى: فقد بدأ الخلاف خلال اجتماع لمجلس الوزراء عندما انتقد دافى محاولات ماسك المتكررة لإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، مشيرا إلى أن ماسك تجاوز دوره الاستشارى بمحاولته فرض سياسات تقشفية غير مدروسة، ولا سيما فيما يتعلق بمراقبى الحركة الجوية، متهما ماسك بأنه يسعى إلى فصل عدد كبير من الموظفين فى قطاع الطيران؛ ما قد يؤدى إلى مشكلات فى إدارة المجال الجوى الأمريكى وتأخير الرحلات.
نفى ماسك من جانبه هذه المزاعم بشدة، معتبرا أن ما يقوم به هو مجرد «اقتراحات لتقليل البيروقراطية»، وليس قرارات تنفيذية، لكنه يرى أن النظام الحالى يعانى من الترهل الإدارى الذى يؤدى إلى هدر مالى ضخم.
ثالثا: احتمالات وجود خلافات بين «مسعد بولس» و«ستيف ويتكوف»: يتردد أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد شهدت توترات غير معلنة بين مسعد بولس كبير مستشارى الرئيس للشئون العربية والشرق الأوسط، وستيف ويتكوف المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط. وتُعزى هذه التوترات جزئيا إلى تحفظات إسرائيلية على التعامل مع بولس؛ نظرا إلى أصوله اللبنانية وعلاقاته الوثيقة مع مجتمعات عربية ومسلمة؛ ولذلك تردد كذلك أنه استجابةً لهذه التحفظات، عيَّن ويتكوف مورجان أورتاجوس نائبةً له، لتتولى ملفات لبنان وسوريا ليتفرغ هو للملفات المتعلقة بإسرائيل.
تُعرف أورتاجوس المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية، بمواقفها الأيديولوجية المؤيدة لإسرائيل. ولعله من الملحوظ بالفعل تراجع ظهور بولس الإعلامى، خاصةً بعد تصريحاته العلنية حول نجاحاته فى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين، وهو ما يرجح ألا يكون قد لقى ترحيبا من الرئيس ترامب، الذى يفضل نسب كافة النجاحات إلى شخصه فى العلن.
رابعا: تضارب المواقف على خلفية قرارات زيادة التعريفات الجمركية: على سبيل المثال، أيد وزير التجارة هوارد لوتنيك الرسوم، معتبرا أنها وسيلة لمكافحة تهريب المخدرات وحماية الأمن القومى. فى المقابل، حذر المستشار الاقتصادى للبيت الأبيض كيفن هاسيت، من أن هذه الرسوم قد تؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع المصنعة فى الخارج للمستهلكين الأمريكيين.
• • •
لا تعنى هذه الخلافات بالضرورة أن شقاقا حتميا سيضرب صفوف الفريق القريب من ترامب، ولكن يلزم وجود بعض العوامل المساعدة التى ستحدد مصير هذه الخلافات، وإذا ما كان سيتم تجاوزها أم ستصطدم لا محالة بخيار الاستبعاد والتغيير؛ وذلك قياسا على بعض الحالات العملية خلال إدارته الأولى:
أولا: يعتبر الولاء الشخصى للرئيس دونالد ترامب عاملا جوهريا فى تحديد مصير أعضاء فريقه؛ حيث لعبت العلاقة الشخصية معه دورا حاسما فى تحويل الخلافات الداخلية إلى تغييرات فعلية فى المناصب خلال إدارته الأولى، مثلما حدث على سبيل المثال مع وزير العدل خلال إدارته السابقة جيف سيشنز، ومستشار الأمن القومى جون بولتون؛ بسبب خلافات شخصية حادة حول سياسات الأمن القومى. وتؤكد هذه الأمثلة أن العلاقة الشخصية مع ترامب ليست مجرد تفضيل، بل هى عامل أساسى فى بقاء أو خروج المسئولين من إدارته.
ثانيا: سبق أن لعب الكونجرس، بشقيه الجمهورى والديمقراطى، دورا محوريا فى تحديد مصير الخلافات داخل إدارة ترامب؛ حيث استخدم سلطاته الرقابية والتشريعية للتأثير على النزاعات الداخلية بين مسئولى البيت الأبيض؛ ففى بعض الحالات، ساهم الكونجرس فى تصعيد هذه الخلافات وتحويلها إلى انقسامات علنية، كما حدث خلال إجراءات محاكمة العزل الأولى، عندما قدم مسئولون سابقون فى إدارة ترامب، مثل مستشار الأمن القومى السابق جون بولتون، شهادات ضد الرئيس، أو تحدثوا علنا عن خلافاتهم معه.
أما فى سياق الإدارة الحالية، فقد علق السيناتور الجمهورى ريك سكوت على الجدل القائم، مشيرا إلى أن هناك سوء فهم واسعا حول طبيعة الدور الذى يلعبه ماسك داخل الإدارة. وأوضح سكوت أن أى قرارات تتعلق بتقليص القوى العاملة الفيدرالية يجب أن تمر عبر القنوات الرسمية، مشددا على أن الكونجرس له دور رقابى على أى تعديلات كبرى فى الهيكل الإدارى، وأكد أن سلطة فصل الموظفين أو إعادة هيكلة الوكالات لا تقع ضمن صلاحيات إدارة الكفاءة الحكومية، بل تخضع لسلطة الرئيس ووزرائه فقط.
ثالثا: شكلت التسريبات الإعلامية عاملا حاسما فى تأجيج الخلافات داخل إدارة ترامب؛ فعلى سبيل المثال، كشفت وسائل الإعلام خلال إدارة ترامب الأولى عن وجود خلافات حادة بين كبير موظفى البيت الأبيض جون كيلى وصهر الرئيس جاريد كوشنر بشأن النفوذ داخل الإدارة؛ ما أدى إلى تدهور العلاقة بين كيلى وترامب وإقالته لاحقا.
رابعا: لعبت جماعات الضغط (اللوبيات) دورا رئيسيا فى تأجيج أو تهدئة الخلافات داخل إدارة ترامب الأولى؛ حيث مارست نفوذا قويا على صناع القرار داخل البيت الأبيض؛ مما أدى إلى انحياز بعض المسئولين إلى أجندات تتعارض مع توجهات زملائهم. على سبيل المثال، لعبت اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، مثل لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، دورا فى تعزيز نفوذ مستشارين مثل جاريد كوشنر على حساب مسئولين آخرين كانت لديهم رؤية أكثر توازنا للسياسة الخارجية فى الشرق الأوسط. هذه الضغوط لم تقتصر على تشكيل القرارات السياسية، بل أسهمت أيضا فى تغذية الانقسامات داخل الإدارة؛ حيث وجد بعض المسئولين أنفسهم تحت ضغط مكثف من لوبيات متعارضة؛ ما أدى إلى انسحاب بعضهم أو إقالتهم بسبب تصاعد حدة الخلافات داخل البيت الأبيض.
• • •
الخلاصة، لطالما كانت إدارة دونالد ترامب ساحة للخلافات العميقة والانقسامات الداخلية؛ حيث تصاعدت النزاعات بين المسئولين بفعل التنافس على النفوذ، وغياب رؤية موحدة، وهيمنة الولاء الشخصى على معايير اتخاذ القرار. وتبرز هذه الديناميكية مجددا فى المشهد السياسى الحالى مع ما يشاع عن الخلاف بين إيلون ماسك ووزير الخارجية ماركو روبيو، وهو توتر يعكس كيف يمكن للنفوذ الاقتصادى والسياسى أن يتداخل ليعيد تشكيل التحالفات والانقسامات داخل الأوساط اليمينية. هذا وإن كانت هذه الخلافات قد طفت على السطح عقب أقل من شهرين من عمر الإدارة، فإنها قد تدفع ترامب نحو نهج أكثر ضراوةً لتخليص إدارته مستقبلا من أى خلافات قد يراها هو عنصرا لتعطيل مشروعه السياسى داخليا وخارجيا، ومن ثم قد تنال شريحة أكبر من الشخصيات بخلاف الشخصيات محل الجدل.
النص الأصلى: