لهـذا سوف أنتخب هشام البسطويسى

فريدة النقاش
فريدة النقاش

آخر تحديث: الأحد 20 مايو 2012 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

كنت قد قررت أن أنتخب للرئاسة القاضى هشام البسطويسى حين أعلن مبكرا جدا انه سوف يرشح نفسه ولكنه لم يمارس الدعاية حتى تصورت أنه عدل عن الترشيح وعرفت فيما بعد انه قد امتنع عن ممارسة الدعاية امتثالا حرفيا للقانون الذى حدد موعدا لها فى نهاية أبريل والآن وسوف أصوت له وأنا راضية وممتنة، وأدعو كل من يتطلع لمصر جديدة مزدهرة عادلة أن يصوت له.

 

عرفت البسطويسى كإنسان عن طريق ابنى جاسر حسين عبد الرازق الذى يعمل بحركة حقوق الإنسان، وذلك بعد استقالته من التجمع لأنه لا يجوز للقاضى أن يكون عضوا فى حزب وتابعت بعد ذلك سجله الناصع كقاض شريف، النزاهة نبراسه والعدل بوصلته وطريقة الاستقامة وهدفه الاستراتيجى مصر حرة مستقلة ترفرف عليها رايات العدالة والكرامة الإنسانية ويصل فيها كل إنسان رجلا أو امرأة مسلما أو مسيحيا غنيا أو فقيرا إلى أقصى ما يمكن أن تحمله إليه طاقاته الحرة ومواهبه وقدراته التى سيتاح لها جميعا أن تزدهر دون خوف أو حاجة فى مصر المستقبل.

 

 البسطويسى رجل أخلاقى بأعمق معنى للكلمة وإذا كانت الأخلاق السائدة فى المجتمع الرأسمالى تؤسس سلوكا مقياسه المال، فإن هشام البسطويسى مارس أخلاق المستقبل، أى أخلاق الثورة مبكرا جدا قبل أن تندلع الثورة، أخلاق ترتبط بتصوره للعالم مقياسها العدل والصدق وكرامة الإنسان أيا كان موقعه من عالم المال، هو الذى رفض أن يتنازل قيد أنملة عن مبادئه وقيمه الأخلاقية مقابل مال كثير كان يمكن أن توفره الإعارات والانتدابات واللجان التى رفض أن يتعامل معها كما أراد له الفاسدون أى باعتبارها رشوة مقابل روحه ومواقفه فى حين اعتبرها هو حقا لا بد أن يحصل عليه بكرامة وإلا فلا.

 

العدل هو معيار تصور البسطويسى للعالم لا لأنه رجل قانون تدرج فى سلك القضاء فحسب ولكن أيضا لأن حسه الاجتماعى والأخلاقى ينفر من الظلم والاستغلال والقهر وإيذاء الإنسان، ولذا ينهض برنامجه على وحدة تكوينية بين السياسة والاقتصاد والفلسفة والقانون والأخلاق الجديدة وكل من هذه العناصر بالنسبه له متضمن فى الآخر، وكلها تشكل معا دائرة متجانسة تستوعب بأعلى درجة من المسئولية كل العناصر التى سبق لحزب التجمع أن بلورها فى وثائقه وامتلك الشجاعة والوعى العلمى ليقول أن الاشتراكية مشروع مؤجل لابد أن تمهد له الأرض مرحلة انتقالية طويلة شعارها مجتمع المشاركة الشعبية.

 

●●●

 

هشام البسطويسى إنسان دمث الخلق مهذب جسور فى الحق عنيد حين يتعلق الأمر بمصالح الناس فلا يساوم عليها أبدا، حين أعير للعمل فى الإمارات، وهى الإعارة الوحيدة التى حصل عليها فى حياته المهنية الممتدة لأكثر من ثلاثين عاما قاد عام 1992 أول إضراب للقضاة المصريين احتجاجا على وقف قاضيين مصريين عن العمل دون وجه حق وشاركه فى الإضراب الذى استمر 25 يوما صديق عمره المستشار محمود مكى، والمستشارون ناجى دربالة، وسيد عمر، وأحمد سليمان وكانوا حينها وكلاء نيابة فى بداية حياتهم المهنية، ورفضوا جميعا فض الإضراب إلا بعد إعادة القاضيين المصريين إلى العمل والالتزام بكل شروط القضاه المصريين، ولسان حالهم يقول إنه ما ضاع حق وراءه مطالب.

 

كان هشام البسطويسى يمارس بذلك العمل أخلاق المستقبل أى الاحتجاج على الظلم ومقاومته حتى لو لم يكن هذا الظلم يمسه شخصيا، وإدخال مبدأ الاحتجاج المنظم وصولا إلى الإضراب عن العمل كفعل سياسى فى مهنة هى بطبيعتها بمنأى عن السياسة المباشرة.

 

وفى الإمارات، وبعد أشهر قليلة من واقعة الإضراب الناجح يحقق وكيل النيابة « هشام البسطويسى» فى واقعة سكر بين فى الطريق العام وعندما يتدخل الأمير للعفو عن المتهم يرفض البسطويسى ويحول المتهم إلى المحكمة.

 

وعندما جاء دور هشام البسطويسى للانتداب لمحكمة القيم اعتذر رافضا زيادة فى المرتب قدرها 1200 فى الشهر، وقال فى اعتذاره المكتوب «لا يشرفنى العمل فى محكمة استثنائية طالب القضاه مرارا بالغائها».

 

وفى عام 2003 تقضى محكمة النقض برئاسة المستشار حسام الغريانى وعضوية المستشار هشام البسطويسى ببطلان نتائج انتخابات دائرة الزيتون وهى دائرة «زكريا عزمى» مدير مكتب رئيس الجمهورية والذى يقبع فى السجن الآن، ويطلب رئيس محكمة النقض إعادة عرض الطعنين، فترد المحكمة بنفس التشكيل قائلة «إنه لا صفة لرئيس المحكمة فى التعقيب عليها، أو إملاء طريق معين للتحقيق أو توجيه الدائرة أو أحد أعضائها فى شأنها».

 

●●●

 

هو إذن أحد أبرز فرسان استقلال القضاء وأكثرهم إصرارا وتكاملا لم يكن غريبا والأمر كذلك أن يسعى رجال «مبارك» وأجهزة أمنه للتنصت عليه ومحاولة تلفيق قضية له، ولكن استقامته أفشلت المحاولة وازداد بالحصار والملاحقة قوة وصلابة فى الحق وواصل طريقه على درب أخلاق المستقبل.. أخلاق الثورة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved