انقلاب السيسى الثانى
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 مايو 2014 - 4:55 ص
بتوقيت القاهرة
بعيدا عن أوهام وخرافات مافيا الإخوان ومن لف لفهم، حول انهيار ما يسمونه «انقلاب 30 يونيو»، وعودة رئيسهم المعزول مرة أخرى، يستند هجوم معظم معارضى ترشح المشير عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، إلى أن الرجل يسعى لتأسيس ديكتاتورية عسكرية، وأنه يخفى وراء مظهره الهادئ روحا صارمة، ستعيد بناء دولة استبدادية عشنا تحت ظلها أكثر من ستين عاما. ويزعم أصحاب هذا الرأى أن إصرار السيسى مثلا على تطبيق قانون التظاهر هو مؤشر على صحة وجهة نظرهم، فى حين يقول آخرون إن فلول مبارك سوف يكون لهم مكان متميز فى نظام حكمه، بالإضافة إلى اضطراره لإعطاء السلفيين المقابل السياسى المناسب لإعلانهم تأييدهم له. أما خصومه من بعض فرق اليسار فترى فى فوزه المتوقع بالرئاسة، على أنه انتصار لمخططات الثورة المضادة التى نجحت خلال السنوات الثلاث الماضية فى نشر الفوضى، وتوظيف البلطجية، واستخدام سلاحى التخويف والتجويع لوأد الحركات الجماهيرية الثورية، والعودة إلى نظام السوق ورأسمالية المحاسيب مع بعض التحسينات الضرورية!
قد تكون هذه مخاوف مشروعة، وقد يكون لها أسبابها فى ظل تفاعلات موازين القوى السياسية الراهنة، إلا أنه من المؤكد أن لا أحد يستطيع أن يرسم سيناريو محددا سلفا لمستقبل مصر بعد سنة وسنتين من الآن، فى ظل الفوضى السياسية والأمنية والثقافية التى تضرب حياتنا فى كل الاتجاهات، كما أن التسليم المطلق بتصورات هذه المجموعات المعارضة للسيسى هو الطريق الوحيد المتاح أمامنا، هو ضرب من الأوهام والخيالات، فالسيسى لن يكون اللاعب الوحيد على المسرح السياسى، ولو فاز بالرئاسة لن يكون مطلق السراح فى إصدار ما يعن له من قرارات، إلا لو صدقنا أكاذيب قيامه بانقلاب عسكرى على الإخوان، وبالتالى فهو يستعد للقيام بانقلاب ثان على الجماهير الغفيرة، التى صنعت ثورة يونيو، وعلى الدستور وعلى الكثير من القوى الوطنية ــ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار التى تؤيده وتقف وراءه لاعتبارات مختلفة!
السيسى ــ لو فاز بالرئاسة ــ لن يستطيع مثلا أن يتلاعب بمواد الدستور التى تقلل من صلاحياته بالمقارنة بسابقيه من رؤساء مصر، فالقوانين التى يصدرها الرئيس لن تنفذ إلا بأغلبية ثلثى اعضاء البرلمان طبقا للمادة 123، كما أنه لن يستطيع إعلان حالة الطوارئ مثلا إلا بعد اخذه موافقة مجلس الوزراء ثم موافقة البرلمان وفقا للمادة 154. كما أن الدستور يعطى للبرلمان حق محاكمة الرئيس وإقالته، ويعطى الحكومة الحق الكامل فى وضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع رئيس الجمهورية، والإشراف على تنفيذها. فالدستور يقر بوضوح مبدأ تقاسم السلطات بين أجنحة السلطة التنفيذية والتشريعية، بما يضمن عدم تسلط الرئيس على القرار السياسى للدولة.
ومن هنا فلو أراد السيسى، كما يقول معارضوه، تأسيس ديكتاتورية عسكرية، فإن عليه أولا الانقلاب على الدستور، ومواجهة تحركات احتجاجية واسعة متوقعة ضده، وأن يضمن قبل ذلك موافقة المؤسسة العسكرية على مواجهة هذه التحركات الجماهيرية، وهو سيناريو عبثى لا يمكن تصور حدوثه فى مصر بعد سقوط رئيسين فى مصر خلال ثلاث سنوات، حاولا مواجهة الجماهير بالقبضة الحديدية!
قد لا يكون السيسى هو رجل الثورة، ولكنه بالتأكيد رجل الإصلاحات الكبيرة، وهو فعلا مرشح الضرورة كما قال الأستاذ هيكل، فموازين القوى الراهنة لم تكن أبدا فى صالح القوى الحزبية التقليدية، ولا التيارات الثورية التى عجزت حتى الآن عن بناء مؤسساتها الجماهيرية، بعد أن كان الصراع مقصورا على قوتين رئيسيتين هما مافيا الإخوان والمؤسسة العسكرية الوطنية، والمؤكد أنه بدون تدخل السيسى التاريخى والانحياز لجموع المصريين، لكنا الآن غارقون حتى آذاننا فى معارك الدم والاحتراب الأهلى.
إصلاحات السيسى الاقتصادية والاجتماعية ــ لو قدر لها النجاح ــ ستعيد تشكيل الخريطة السياسية فى مصر، وستؤدى إلى دخول المهمشين والفقراء والعمال إلى المجال السياسى العام، بمطالبهم التى تعيد مطالب ثورة يناير إلى واجهة المشهد.. وهذا هو السبب الرئيسى الذى يدفعنى ويدفع الكثيرين غيرى لانتخاب السيسى رئيسا للجمهورية.