بدعوة كريمة من كلية الإعلام جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية وفى وسط مجموعة كبيرة من شباب الجامعة عقدت الكلية مؤتمرا حول «الخطاب الدينى بين ضرورات التجديد والحفاظ على الثوابت» وكان لى كلمة حول هذا الموضوع الذى أصبح موضوع الساعة والهم الأكبر لكل المسئولين والعاملين بالشأن العام، وأحب أن أشاركك أيها القارئ العزيز ببعض الأفكار التى تناولتها:
1 ــ نعم الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى فى الآن ذاته يحتاج إلى تجديد وهناك فرق بين الجديد والتجديد. ليس الجديد هو المقصود هنا دينا جديدا.. حاشا، ولكن التجديد هو الحفاظ على الثوابت العقائدية والإيمانية ولكن طرحها للمؤمنين بأسلوب عصرى، فكل زمان له إطاره وكل مكان له ظروفه وكل متلقٍّ له بيئته التى يجب أن يخاطب من خلالها. فالتجديد المنشود هو مخاطبة كل تلك الظروف فى إطارها، فالخطاب الدينى لا يتوقف عند نقطة ما فى التاريخ فإيمان الإنسان هو حركة ديناميكية نحو الله. أحيانا تكون علاقة الإنسان مع الله سبحانه وتعالى فاترة وفى أوقات أخرى يكون فى علاقة حارة وحميمة مع الله تكون نتيجة دخول الإنسان فى مسيرة مع ذاته ومع الله حتى يثقل إيمانه وتظل العلاقة مع الله فى تطور ونمو.
ومن هنا دعونا نتفق على أن العقيدة هى الثوابت التى لا تتغير ولكن الذى يتغير ويتجدد هو المقاربة والفهم والشرح أى أسلوب الخطاب ولغة الخطاب.
2 ــ خطابنا الدينى يحتاج إلى أن يكون أكثر انفتاحا على العلوم الأخرى وعلى معرفة الآخر ووضع ظروف الواقع والحاضر الذى يعيشه الإنسان فى الاعتبار.
3 ــ يحتاج خطابنا الدينى إلى أن يكون أكثر مخاطبة لعقلية شباب اليوم المنفتح على العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعى فلم يعد التخويف أو الترهيب للشباب أو استعمال الحلال والحرام كافيا للرد على أسئلتهم الكثيرة التى تدور فى عقولهم ولا تجد من يجيب عنها من العلماء أو رجال الدين إلا نادرا.
4 ــ أحيانا كثيرة يكون الخطاب الدينى مُركزا على أحكام الشريعة والطقوس، بينما فى حقيقة الأمر أحكام الشريعة والطقوس هى أداة لتساعد الإنسان للتقرب لله فهى ليست هدفا فى حد ذاتها ولن تقرب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، لكن توبته المستمرة وتحسين سلوكه مع الله ومع المجتمع ومع الآخر هما الهدف الحقيقى وإلا ستكون الشريعة والطقوس جوفاء وبلا معنى حقيقى.
5 ــ على الخطاب الدينى المسيحيى والإسلامى أن يكون خطابا إيجابيا يتجه إلى المؤمنين وليس دفاعيا كما هو فى معظم الأوقات. فللأسف الأعمال الإرهابية وضعت أصحاب الكلمة فى خانة الدفاع فوضعت على الرف الدعوة والكرازة بالأعمال الصالحة للإنسان وتقويه ضميره وفى السياق نفسه يؤكد كثير من الوعاظ أن الشرق شرق بتاريخه وحضارته وعاداته وتقاليده والغرب غرب بتاريخه وحضارته وعاداته وتقاليده، فيتم «تأوين» الأحداث التاريخية كحروب الفرنجة القديمة أو الغزوات الإسلامية ويجعلونها حاضرة فتؤجج الفُرقة والإنقسام، بينما اليوم فى عصرنا الحديث انتقل الشرق إلى الغرب بتاريخه وعاداته وتقاليده ومهاجريه وانتقل الغرب إلى الشرق بتاريخه وعاداته وتقاليده وتكنولوجيته ويجرى الآن نوع من الامتزاج بينهما علينا أن نستعد له.
6 ــ الخطاب الدينى المستنير هو الذى يحترم ليس فقط عقلية المتلقى ولكن يحترم أغلى ما يمتلكه الإنسان وهو حريته. فعلى الخطاب الدينى أن يقنع المتلقى بضرورة الإيمان وزمن الضغط أو القهر باسم الدين قد ولى، لذلك نجد من يجاهرون ربما ليس رفضا للدين ولكن رفضا للخطاب الدينى النافر الذى يستعمله بعض الوعاظ.
7 ــ الخطاب الدينى المستنير هو الخطاب الدينى الذى يقبل الآخر وينفتح عليه ويحترمه على الرغم من الاختلاف العقائدى لأننا فى عالم متنوع وفى وطن متنوع الأديان. ومن هنا لا يجوز أن يكون أبناء الوطن الواحد جهلاء بشركائهم فى الوطن.
أخيرا وليس آخرا. التعليم والتكوين الإنسانى والأعمال المشتركة التى تبنى وتنهض بحاضرنا ومستقبلنا هى ضروريات ملحة لإنتاج مجتمع صحى تكون فيه المواطنة هى الأساس المشترك بين الجميع والذى سيحقق التوازن بين تجديد الخطاب الدينى لأنه سيكون معبرا عن عصره وفى نفس الوقت يحافظ على الثوابت العقائدية. نتمنى من إعلامنا أن يتخلص من البحث عن الجعجعة وينتج خطابا تنويريا وتربويا يكون صالحا وبناء لمجتمعنا.