الوجه الحسن للذكاء الاصطناعى
محمد القرماني
آخر تحديث:
الإثنين 20 مايو 2024 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
لكل ظاهرة بشرية أو تطور أو اختراع جديد جانب مقلق وجانب إيجابى، وعادة ما يكون هناك أطراف رابحة وأخرى خاسرة من هذا التطور وهو نفس الأمر الذى ينطبق على الذكاء الاصطناعى.
غير أنه من الملاحظ أن الانطباع العام للشعب المصرى تجاه الذكاء الاصطناعى سلبى وينظر الغالبية له بتخوف، فما من حوار تلفزيونى أو مقال صحفى أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعى أو حوار على المقهى إلا ويسرد مخاطر الذكاء الاصطناعى وما يمكن أن يسببه من مشاكل اقتصادية وأمنية وأخلاقية. وربما تكون تلك المخاوف فى محلها وهى بالفعل تمثل الجانب المظلم من الذكاء الاصطناعى الذى ينبغى علينا - كأفراد وحكومات- أن نكون على وعى واستعداد للتعامل معها.
لكن فى المقابل، للذكاء الاصطناعى وجه آخر أكثر إشراقا وأملا وهو الدافع الأساسى لتطوير تطبيقات وابتكارات جديدة هدفها الارتقاء بحياة الإنسان. وفى الوقت الذى ما زالت فيه نظرتنا للذكاء الاصطناعى مختزلة فى كيفية تزوير وتزييف الصور والفيديوهات أو الاستعانة بتطبيقات لكتابة المقالات أو البحوث العلمية، يتسابق العالم فى تطويع هذه التكنولوجيا وتنويع استخداماتها لتطوير الصناعة والزراعة والتعليم والطب وغيرها من المجالات.
نركز فى هذا المقال على دور الذكاء الاصطناعى فى دعم الأمن الغذائى والقطاع الزراعى بشكل عام نظرا لما يمثله هذا القطاع من أهمية قصوى لمختلف بلدان العالم، وفى ضوء الارتفاع الكبير فى أسعار السلع الغذائية التى تشهدها مصر وغيرها على مدار العامين الماضيين.
تتنوع استخدامات الذكاء الاصطناعى فى مختلف مجالات الزراعة حيث أحدثت طفرة غير مسبوقة فى الجوانب التالية:
أولا: الزراعة الدقيقة، استخدام نظم المعلومات الجغرافية للتعرف على خصائص التربة والتضاريس وأنماط الطقس للتنبؤ باحتياجات المحاصيل وأفضل المواقع لزراعتها.
ثانيا: الإرشاد الزراعى، تطبيقات تقدم معلومات علمية عن الممارسات الجيدة للزراعة بما فى ذلك كيفية اختيار التقاوى، مواقيت الزراعة، وقد ساهم الذكاء الاصطناعى فى تفصيل تلك الإرشادات لكل مزارع على حدة بحسب الموقع الجغرافى ونوعية التربة ونوع المحصول والظروف المناخية ومساحة الأرض الزراعية.
ثالثا: التكيف مع التغيرات المناخية، تطبيقات تقدم للمزارع معلومات وبيانات عن الأحوال المناخية وكيفية تأثيرها على المحاصيل.
رابعا: خفض تكاليف الإنتاج، عن طريق تحديد مدخلات الإنتاج المطلوبة بدقة بما فى ذلك كمية المخصبات والمبيدات اللازمة للمحصول بالإضافة إلى كمية المياه المطلوبة للرى. وخبراء شئون الزراعة فى مصر يعرفون أن المزارع المصرى يميل إلى الإسراف فى استخدام مدخلات الإنتاج دون سند علمى، ويعتمدون على الخبرات المتراكمة والموروثات الثقافية فى الزراعة وهو ما يزيد من تكلفة الإنتاج وبالتالى يقلل من الربحية.
خامسا: تقليل فقد المحاصيل فى مرحلتى الحصاد وما بعد الحصاد.
سادسا: آليات تسعير المحاصيل والتسويق والوصول للأسواق.
وهناك العديد من الأمثلة والتجارب الناجحة فى هذا الصدد من بينها إحدى الجمعيات الرائدة فى التنمية الريفية عالميا تسمى Digital Green تعمل فى الهند وإثيوبيا، طورت تطبيقا جديدا يستخدم الذكاء الاصطناعى، يستطيع من خلاله المزارع التحاور بشكل تفاعلى مع التطبيق للحصول على معلومات ونصائح وإرشادات لحظية للتعامل مع مشاكل طارئة من بينها على سبيل المثال تصوير النبات لمعرفة نوع الآفات أو الإصابات والتعامل معها، أو تحذير المزارع بشأن أحوال جوية طارئة وكيفية التصدى لها كالأمطار المفاجئة أو الموجات الحرارية وغيرها مما يستلزم التعامل السريع والسليم معها لتجنب تلف المحصول بالكامل.
مراكز البحوث الزراعية فى عدد من الدول تعمل على تطوير أنظمة الرى الذكية والتى يمكنها تحديد احتياجات الرى بصورة دقيقة لمختلف أنواع المحاصيل وبحسب حالة التربة والمناخ ومرحلة نمو النباتات بما يمكن من ترشيد استخدام المياه والحفاظ على التربة وعدم تعفن جذور النباتات. على سبيل المثال تقدم شركةCropin Technology فى الهند حلولا مختلفة للعاملين بالقطاع الزراعى سواء المزارعين أو الشركات من بينها استخدام الأقمار الصناعية لتحديد أفضل المناطق لزراعة مختلف المحاصيل، مع تتبع نموها وتقييم صحتها واكتشاف الأمراض والآفات التى تصيبها وتحديد أفضل سبل مكافحة الآفات وتغذية النباتات.
شركات التكنولوجيا الزراعية فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قطعت شوطا كبيرا فى ملف الذكاء الاصطناعى حيث أنتجت بالفعل روبوتات تستطيع القيام بمهام عديدة فى مختلف مراحل الدورة الزراعية. من بينها على سبيل المثال شركة Abundant Robotics التى أنتجت روبوتا بإمكانه التجول داخل الحقول الزراعية وباستخدام الاستشعار عن بعد وتقنيات التعرف على الصور يحدد الثمار الناضجة الممكن قطفها بكل دقة وكذلك التعرف على الثمار التالفة التى قد تسبب انتقال العدوى تقليلاً لفقد المحاصيل الذى عادةً ما يحدث عند استخدام الطرق التقليدية.
وفى مجال ترشيد مياه الرى، تستخدم شركة Kilimo، وهى شركة رائدة فى مجال التكنولوجيا المناخية، تطبيقات الذكاء الاصطناعى لتحسين إدارة مياه الرى فى أمريكا اللاتينية عن طريق تقديم خطط رى مخصصة للمزارعين وذلك من خلال تحليل البيانات الضخمة واستخدام صور الأقمار الصناعية وبيانات الطقس ومعلومات صحة المحاصيل، حيث تساعد تلك التطبيقات فى التعرف على صحة المحاصيل والتنبؤ باحتياجات المياه بناءً على حالة الطقس وتغيراته وأنواع التربية المستخدمة فى الزراعة.
إن استخدامات الذكاء الاصطناعى فى القطاع الزراعى تمثل فرصة عظيمة لتحسين الإنتاجية الزراعية، وخفض تكاليف الإنتاج، وترشيد الموارد المائية، وتعزيز الأمن الغذائى، وعلى مختلف أصحاب المصلحة من جهات حكومية وشركات زراعية ومراكز بحثية الدفع باتجاه الاستفادة من التطبيقات الهائلة للذكاء الاصطناعى فى القطاع الزراعى المصرى والعمل على توفير التمويل والدعم الفنى وخلق بيئة تنظيمية وقانونية داعمة، وبناء الشراكات اللازمة بين الجهات الفاعلة فى هذا القطاع الاستراتيجى.
استشارى السياسات العامة