التعامل السياسى مع نتائج حكمى المحكمة الدستورية
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأربعاء 20 يونيو 2012 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
صدر عن المحكمة الدستورية قبل ثلاثة أيام من إجراء الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية ـــ حكمان بدا وكأنهما قلبا التوازنات السياسية رأسا على عقب. غير أن الحكمين لم يكونا بمثابة المفاجأة للمتابع لقضاء المحكمة الدستورية وللواقف على مبادئ القانون، أيا كان الموقف السياسى لهذا المتابع أو هذا الواقف من موضوعى القضيتين اللتين حكمت بشأنهما المحكمة الدستورية.
عدم دستورية قانون الانتخابات فيه قضاء للمحكمة الدستورية يرجع إلى سنة 1987، وجوهر الطعن فى عدم دستورية القانون الصادر فى 2011 هو نفسه الذى نظرت فيه المحكمة فى سنة 1987. ليس معروفا عن المحكمة الدستورية التغيير فى قضائها بشأن نفس موضوع الطعن بمرور الوقت، وهى بذلك خيرا تفعل فى وقت تبدو فيه ثمة إرادات للعبث بالنظام القانونى المصرى الذى نشأت على أساسه الدولة المصرية والذى حفظ لها وحدتها الوطنية وسلامة أراضيها. غير أن هذا لا يعنى أن نعنف الأحزاب التى دعت إلى اعتماد القانون المطعون عليه، إذ إنه يحدث أن تغير المحاكم الدستورية أو المحاكم العليا من قضائها الدستورى بشأن نفس الموضوع، وهو ما فعلته المحكمة العليا الأمريكية مؤخرا بشأن تمويل الهيئات المستقلة لحملات المرشحين الرئاسيين، مراجعة بذلك مراجعة كاملة حكما صادرا عنها فى سنة 1990 ومراجعة مراجعة جزئية حكما آخر صادر فى سنة 2003. ولكن المراقب للعملية السياسية لا يملك إلا أن يتساءل عن النتيجة السياسية الفعلية لحكم المحكمة الدستورية الذى ترتب عليه حل مجلس الشعب. هل تتغير الأوزان النسبية للأحزاب فى مجلس شعب جديد لأن الأحزاب ستمتنع عن تقديم مرشحين باسمها على ثلث مقاعد المجلس المخصصة للمستقلين؟ ليس فى القانون، ولا يمكن أن يوجد بالمنطق، ما يمنع حزبا ما من تأييد مرشح مستقل ومن أن يسانده ومن أن يعبئ الناخبين للتصويت له. فإذا ما انتخب هذا المرشح، فهو يستطيع الانضمام إلى المجموعة البرلمانية للحزب الذى سانده، فليس فى اللوائح البرلمانية ما ينص على وجوب انتماء أعضاء أى مجموعة إلى نفس الحزب السياسى. وحتى إذا صدرت وبشكل تعسفى لائحة تنص على ذلك، فما الذى يحول دون أن يصوت النائب إلى جانب المجموعة البرلمانية للحزب الذى سانده وعبأ له؟ يمكن فقط أن تتغير الأوزان النسبية للأحزاب والتيارات السياسية فى مجلس شعب جديد بفعل تغيرات فى الرأى العام تنتج عن أداء ونشاط هذا الحزب أو التيار أو ذاك. حكم المحكمة الدستورية هو بشأن الشكل القانونى، ولكنه لا يغير فى الآثار السياسية للانتخابات إلا بفعل الوقت وبفعل تنظيم القوى السياسية وأدائها. إن أرادت أحزاب الأقلية المناصرة للدولة المدنية أن ترفع من مستوى تمثيلها فى مجلس الشعب الجديد فعليها أن تعيد تنظيم نفسها وأن تنشط بشأن القضايا التى تهم المواطنين، من حرياتهم المدنية والسياسية إلى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما التيار الداعى إلى المرجعية الإسلامية للدولة، فمن مصلحته أن يصدق مع نفسه وأن يتساءل عن السبب فى قلة التعاطف معه إزاء حل مجلس الشعب الذى يسيطر عليه. سيكون مفيدا للتيار الإسلامى نفسه ولمصر أن يعيد هذا التيار النظر فى رغبته فى الاستئثار بمجمل العملية السياسية المؤسسة للدولة الجديدة. على حزب الحرية والعدالة بالذات أن يتصرف كحزب سياسى يلتقى مع غيره من الأحزاب فى أرضية وسط ويشترك معها كلها، باعتبارها تمثل التطور التاريخى المصرى، السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والقانونى، فى تشكيل النظام السياسى الجديد وفى إعادة إحياء الدولة المصرية.
●●●
أما الحكم بعدم دستورية قانون ممارسة الحقوق السياسية ــ أو «قانون العزل» ــ فهو لم يستند إلى أن القانون مقصود به شخص أو أشخاص بعينهم، وهو ما كان كفيلا وحده بالحكم بعدم دستوريته. جوهر الحكم هو أن السلطة التشريعية بإصدارها القانون افتئتت على اختصاصات السلطة القضائية، وأنها بذلك انتهكت مبدأ الفصل بين السلطات، وحرمت مواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية بدون حكم من القضاء وهو وحده المختص بإصدار حكم بالحرمان من ممارسة أى حق من الحقوق. عدم جواز الاستبعاد القانونى لا يعنى عدم جواز الاستبعاد السياسى. الالتقاء بين الأحزاب السياسية الثورية والديمقراطية على أسس بناء النظام الجديد، وسرعة تشييد هذا البناء، كفيل باستبعاد الغالبية العظمى من الوجوه الصارخة أو المتخفية فى انتمائها لنظام ما قبل الحادى عشر من فبراير من الحياة السياسية. لقد حرمت محكمة ثورة يوليو ــ عن حق أو عن باطل ــ عددا قليلا من سياسيى ما قبل يوليو من ممارسة حقوقهم السياسية، ولكن عددا قليلا جدا من هؤلاء السياسيين عاد إلى مجلس الشعب المنتخب فى سنة 1957. ليس المنشود انتخاب برلمان مثل مجلس 1957، وليس الأمل بالتأكيد إنشاء نظام سياسى مثل نظام دستور 1956، ولكن المقصود هو أن لكل نظام سياسى جديد حقا سياسيا، بل ربما كان تغيير الطبقة السياسية هو أحد أصدق المؤشرات على التغيير الحقيقى فى أى نظام سياسى. قضية أخرى تثور بشأن الحكم بعدم دستورية قانون «العزل السياسى». قد يقول قائل بأن بلاغات عديدة قد قدمت إلى النائب العام بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية المراد استبعاده، أى الفريق أحمد شفيق، ولكنه لم يجر أى تحقيق فيها. التصرف بشأن ذلك يكون بالعمل سياسيا من أجل كفالة استقلال النائب العام عن السلطة التنفيذية، وقد يكون ذلك بالفصل التام بينه وبين النيابة العامة، من جانب، وبين السلطة التنفيذية، من جانب آخر، ثم بتعيين النائب العام لفترة واحدة غير قابلة للتجديد.
●●●
تبقى مسألة تبديد كل شك ممكن فى موضوعية المحكمة الدستورية وتوفير كل السبل الممكنة لها ولأعضائها لحماية النظام الدستورى والقانونى المصرى. من أجل تعزيز استقلالية المحكمة، وللحيلولة دون التقلب السريع فى عقيدتها وفى أحكامها، فإنه يمكن النظر فى تعيين أعضائها مدى الحياة مثلما هى حال المحكمة العليا الأمريكية، أو تعيينهم لفترات طويلة قد تبلغ الاثنى عشر عاما وغير القابلة التجديد، مثلما هى الحال فى المحكمة الدستورية الألمانية. يمكن كذلك دراسة كيفية تعيين أعضاء المحكمة، لتشترك فى اختيارهم السلطة التشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الدولة. ملحوظة إضافية، حتى وإن لم تكن جوهرية، هى أنه يجدر اسقاط كلمة «عليا» من مسمى المحكمة حيث أنه لا توجد محكمة دستورية سفلى لتوجد محكمة عليا، ثم لأن المحكمة المصرية تقتصر على الفصل فى دستورية القوانين وهى لا تنظر فى الموضوع باعتبارها أعلى درجات التقاضى مثلما تفعل المحكمة الأمريكية.
السياسة هى الأساس وهى التى تنشئ النظام الدستورى والقانونى الكفيل بأن يحمى نفسه. والسياسة هى التفاوض والحلول الوسط والالتقاء عند أرضية مشتركة. فى السياسة الحل للمشكلات السياسية وليس فى القضاء، حتى وإن كان دستوريا.