رسالة حب
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 20 يونيو 2012 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
دخلت الصحافة المصرية خلال الأسابيع الماضية امتحانا صعبا. كان المطلوب منها أن تؤدى واجبها بمهنية عالية فى ظروف وخيارات دقيقة. يقول رأى إن الغالبية العظمى من الإعلاميين يعتقدون أنهم التزموا أصول المهنة فى حدود الممكن والمتاح. يقول رأى آخر، إن هذه الغالبية فى غمرة انشغالها بتغطية أخبار الصراعات نسيت رسالتها، فشجعت دون أن تدرى على نشر الكره والعناد وروجت للكآبة والحزن. انشغلت بالترويج لسياسة أو مؤسسة أو عقيدة أو شخص أو جماعة وأهملت التبشير بالحب ودعوة الناس إلى حسن المعاملة وتلبية حاجتهم إلى حلول لمشكلاتهم الصغيرة قبل الكبيرة.
●●●
تدعو الباحثة الصحفية سوزان بينيتش Benesch الصحف إلى تبنى نشر كل ما من شأنه أن يدعم مشاعر الحب عند قراء الصحف. تنصح رئيس التحرير بأن يكلف صحفية أو صحفيا بمتابعة الحب وأخباره وحكاياته ومعجزاته: رسالة من طفل يعبر فيها عن حبه لعائلته ويحكى عن تفاصيل الحياة فى بيت سعيد، كل من فيه يحب الآخر ويخاف عليه من لفحة هواء ويجزع إن رأى قطرة دمع تنساب على خده. حكاية حب كبير بين رجل أبيض وامرأة سوداء. رحلة مجموعة من الشباب إلى الصحراء أو الغابات والنوم فى العراء فى حملة تروج لمجتمع أفضل وأكثر عدالة أو لمجتمع يحرص على سلامة البيئة. قصة جمعية أهلية تخصص جهود أعضائها لتلقين الأطفال حب الموسيقى وتصحبهم إلى مواقع طبيعية ينصتون فيها إلى تغريد الطيور ويتعلمون التمييز بين أصواتها. صور لفتيات يرقصن الباليه وصبية «يتقافزون» فى مياه النافورة وسط الميدان.
●●●
تقول الباحثة الصحفية إنها تسعى لتشجيع «صحافة الحلول». هى صحافة تركز على الأخبار الطيبة، لا تنشر إلا القليل من التجاوزات، وما تنشره من تجاوزات تدعو القراء للتكرم للتدخل لإصلاحها. وهى تبرز الأعمال الجيدة على أمل أن يقلدها الآخرون، وتدعو المسئولين عن إصدار الصحف وكتاب المقالات ومحررى الأخبار إلى تقديم حلول لمشكلات الناس و الابتكار فى أساليب صياغة هذه الحلول ومواقع نشرها. المهم أن يسود الأمل فى أن للمشكلات التى يواجهها المواطن حلولا، هى أحيانا تلك التى تأتى فى سياق ما ينشر عن أعمال طيبة لمواطنين وتجارب حلوة مارسها مواطنون آخرون وحكايات حب وتعاطف ومودة يتبادلها القراء.
●●●
هذه الدعوة التى توجهها سوزان ليست قاصرة على الإعلام ولا تتوقف عنده. واجب المدرسة لا يقل أهمية فى هذا الشأن عن واجب الصحيفة أو القناة التليفزيونية، كلاهما، الإعلام والتعليم، يجب أن يركز على «الحب» كقاعدة ارتكاز لصنع مواطن جديد.
كتب شاب فى سن المراهقة يدرس فى إحدى دول الغرب إلى عائلته فى القاهرة يطلب من كل فرد فيهم كتابة «رسالة حب» إليه يحكى فيها عن مقدار اشتياقه له، وعن الخصال التى جعلته محبوبا عند كاتب الرسالة، ونصائح هذا القريب أو القريبة للشاب ليحافظ على هذه الخصال وينميها هى وهذا الحب المتبادل. عرفت فيما بعد أن آلاف المدارس الأمريكية وجهت مدرسيها ليكلفوا تلاميذهم الطلب إلى اقربائهم وأصدقائهم كتابة «رسالة حب».
●●●
شعرت كقارئ، بسعادة غامرة، بعد أن قرأت خبرا نشرته صحف آسيوية عن رحلة نظمتها جمعيات أهلية من محبى الطبيعة واشترك فيها ألف فرد من جنسيات شتى.
أقامت الرحلة معسكرا فى منطقة رائعة الجمال تقع على حدود الجزء الباكستانى من إقليم كشمير. كان الشرط الوحيد للاشتراك فى الرحلة أن يلتزم كل مشارك باحتضان شجرة من أشجار الغابة لمدة دقيقة قبل أن ينتقل إلى شجرة أخرى ليحتضنها وهكذا. ما أروعها تجربة إنسانية وأنبلها رسالة حب!.
●●●
ما أحوج مصر وأحوجنا فى هذه الأيام الصعبة إلى ابتكار رسائل من هذا النوع.. رسائل حب!