تدفقات الهجرة غير النظامية.. وتحديات إدارة الحدود بالمغرب

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الخميس 20 يونيو 2024 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

أدى تسارع تدفقات المهاجرين غير النظاميين نحو المغرب إلى تكثيف عمليات مراقبة الحدود مع دول المصدر والاستقبال، حيث تصدت السلطات المغربية فى السنوات الخمس الأخيرة لنحو 366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، مع تسجيل أرقام قياسية فى سنة 2023 باعتراض أكثر من 75 ألف مهاجر بزيادة 6 فى المئة مقارنة بسنة 2022.

وهو منحى آخذ فى التصاعد فى ظل تجذر الأصول المُغذِّية للهجرة كتفاقم وضعيات اللاستقرار السياسى والأمنى فى خضم موجة جديدة من الانقلابات والصراعات بدول الساحل والصحراء، وأمام الانسداد الذى تعرفه مسالك الهجرة نحو أوروبا عبر ليبيا وتونس، الأمر الذى جعل المغرب وجهة مُثلى للآلاف من الأشخاص المنحدرين من مناطق النزاع بإفريقيا، وببعض الدول العربية كاليمن وسوريا والسودان، ناهيك عن تداعيات التغير المناخى إذ يتوقع البنك الدولى أن تتسبَّب الكوارث الطبيعية فى نزوح حوالى 86 مليون شخص بحلول سنة 2050 فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما سَيُعقِّد من مسئولية المغرب وغيره من الدول الواقعة ضمن طريق الهجرة نحو أوروبا.

فضلًا عن هذه العوامل الموضوعية ثمة تأثيرات جانبية لسعى المغرب نحو تعميق علاقاته مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التى تفرض الالتزام بالبروتوكولات الخاصة بحرية التنقل وحقوق الإقامة والاستقرار كشرط لقبول عضويته بالمجموعة. نفس الأمر بالنسبة لاستحقاقات تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجارى القارى الإفريقى (ZLECAF) التى تنص على ضمان الحق فى تنقل الأشخاص بين الدول الأعضاء، وغيرها من المحاولات التى ستجعل من المغرب قبلة لأفواج جديدة من المهاجرين الراغبين فى الاستقرار به، أو محطة توقف فى انتظار توافر فرص العبور نحو «الإلدورادو» الأوروبى، وبالرغم من الرهان على المبادرة الأطلسية التى أطلقها المغرب فى يوليوز 2023 مع بعض دول الساحل فى تدعيم المسارات القانونية للهجرة، فإنها قد تُحفِّز أكثر تيارات الهجرة النظامية انطلاقًا من السواحل الجنوبية للمملكة نحو جزر الكنارى،

يُقابَل تنامى تدفقات المهاجرين بتزايد «أمننة» السياسات الأوروبية للهجرة فى خضم متغيرات جديدة ترخى بظلالها على حقوق المهاجرين، كتعمق الأزمات الاقتصادية، وتنامى المواقف المعادية للمهاجرين وصعود اليمين المتطرف إلى منصات القرار السياسى فى العديد من دول الاتحاد الأوروبى، خاصة مع تزايد الاهتمام بدور المغرب كحارس للحدود الأوروبية من تيارات الهجرة، حيث تضمن الاتفاق الأوروبى لإصلاح نظام الهجرة قيودًا أكثر صرامة فى تدبير الحدود، كإقامة مراكز مغلقة بالقرب من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى بتعاون مع دول العبور، كما أن لجوء المغرب المتزايد إلى خبرات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (frontex) قد يُؤثِّر على مصداقيته فى تدبير الهجرة كطرف وسيط بين دول المنشأ والمقصد، وعلى سيادته فى إدارة الحدود فى ظل تصاعد الأصوات الداعية إلى نشر عناصر الوكالة وآلياتها بالسواحل المغربية.

يطرح تنامى التدفقات الهجروية فرصًا ثمينة للمغرب لتعزيز دوره فى تدبير الهجرة بين أوروبا وإفريقيا بما يسهم فى تحصين مصالحه الجيوسياسية، وفى تعظيم مكاسب الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى بتحسين شروط اتفاقيات التبادل الحر والصيد البحرى، لكن فى المقابل، تُرتِّب الديناميات الجديدة للهجرة غير النظامية تداعيات وخيمة على أمنه الحدودى، فالقبول بالحلول الأوربية سيجعل معظم الدعم المخصص لبرامج الهجرة يذهب إلى تسييج الحدود وتعلية الجدران، فى ظل السعى نحو تحميل دول العبور مسئولية إدارة تدفقات الهجرة فى إطار ما أصبح يسمى بسياسة «تصدير الحدود»، الأمر الذى يُهدِّد بتغذية البؤر الهجروية بالمناطق الحدودية واتساع المخيمات الداخلية للمهاجرين وما تُثيره من تأثيرات اجتماعية وحقوقية.

كما أن تنفيذ اتفاقيات إعادة القبول قد تُحوِّله من دولة عبور إلى دولة استقرار دون أن يكون مُستعدًا لتحمُّل التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الخيار. نفس الأمر بالنسبة لتدابير العودة والترحيل القسرى التى قد تُؤثِّر سلبًا على علاقاته الآخذة فى التعقد مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، فى ضوء تغير الأوضاع السياسية وتقلب خريطة التحالفات الاستراتيجية بهذه المنطقة الحيوية فى السياسة الخارجية للبلاد.

بشكل عام، يطرح التدفق المهول للمهاجرين غير النظاميين تحديات جسام على المغرب فى تدبير حدوده مع الدول الإفريقية والأوروبية، وهو ما يُحتِّم ضرورة الموازنة بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين الاعتبارات الإنسانية والحقوقية فى ضوء الإطار المعيارى الدولى لتدبير التنقلات البشرية، وعلى رأسها الاتفاق العالمى من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية الذى تم اعتماده بمراكش فى أواخر سنة 2018، خاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان على الحدود، وحظر الطرد الجماعى والإعادة القسرية للمهاجرين، وضمان عودة آمنة وكريمة لهم.

عبدالرفيع زعنون
مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى

النص الأصلى
https://rb.gy/njg9e7

تدفقات الهجرة غير النظامية وتحديات إدارة الحدود بالمغرب - Carnegie Endowment for International Peace

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved