طهران ومنظومة الدفاع الإقليمي
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 20 يوليه 2022 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
تسارع الحديث فى الأسابيع الأخيرة عن ترتيبات إقليمية دفاعية مقابل الصواريخ والمسيّرات التابعة لإيران وأذرعها، وبصورة خاصة فى أعقاب زيارة الرئيس الأمريكى بايدن إلى إسرائيل والسعودية. الموضوع الذى يناقَش منذ أشهر طويلة فى لقاءات سرية، بدأ يخرج إلى العلن شيئا فشيئا. فى هذا الإطار، تم الكشف عن لقاء فريد عُقد فى مصر فى مارس الماضى، بين رؤساء هيئات أركان دول عربية (بينهم السعودية) وإسرائيل، وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى جوهان كيربى، قبل زيارة بايدن، أن الإدارة الأمريكية تدير حوارا مع جهات فى الإقليم بشأن تعاوُن وطيد أكثر فى مجال الدفاع الجوى، مقابل التهديدات القادمة من طرف إيران. وحتى إن وزير الدفاع بنى جانتس قال إنه أجرى حوارات كثيرة مع البنتاجون والإدارة الأمريكية، بهدف تقوية التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة، وأقرّ بأن هذه الخطط بدأت بالعمل. ومثالا لذلك، ذكر وزير الدفاع حدثا وقع فى بداية العام ــ إسقاط مسيّرتين إيرانيتين فوق الأراضى العراقية على يد قوات أمريكية، كانتا فى طريقهما إلى إسرائيل.
قضية الدفاع فى مواجهة الضربات الجوية من إيران برزت بقوة فى أعقاب عشرات الهجمات، بالصواريخ والمسيّرات، والتى نُفّذت ضد أهداف عسكرية وبنى استراتيجية حيوية فى المنطقة، بيد إيران وأذرعها خلال الأعوام الأخيرة. الهجمة الأبرز حدثت فى سبتمبر 2019، والتى استهدفت منشآت تابعة لشركة النفط «أرامكو» فى السعودية. وتم القيام بهجوم إضافى هذا العام بواسطة مسيّرة، على مواقع نفطية سعودية، بيد الحوثيين فى اليمن. هذا، إلى جانب هجوم إضافى من اليمن ضد مطار أبو ظبى، وعشرات الهجمات على مواقع التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة فى العراق.
وفى ضوء هذه التطورات والحوارات بشأن الموضوع، ازداد التهديد الإيرانى من جانب جهات عسكرية وجهات مقربة من المرشد الأعلى خامنئى. فمستشاره السياسى على أكبر ولايتى، الذى كان وزيرا للخارجية أعواما طويلة، وضع معادلة واضحة من خلال قوله إنه «كلما تقربت دول الخليج أكثر من إسرائيل، ابتعدت عن إيران». أما المتحدث باسم الجيش الإيرانى، فحذّر الولايات المتحدة وإسرائيل، موضحا أنهما تعرفان ثمن استعمال كلمة «قوة» ضد إيران؛ ومن خلال تطرُّقه إلى زيارة بايدن، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أنه ما دام هدف واشنطن الأساسى هو تقوية أمن وتفوق الـ«الدولة المزيفة» المسماة إسرائيل، فإن شعوب ودول المنطقة لن تنعم بالاستقرار.
• • •
فى العام الماضى أيضا، برزت قضية تهريب السلاح فى البحر وحرية الملاحة. فأعلنت واشنطن فى الآونة الأخيرة إقامة قوة العمليات المتعددة 153، التى ستركز على مضيق باب المندب فى البحر الأحمر وخليج عُمان وشمال بحر العرب. وفى تصريح مشترك فى ختام زيارة بايدن، اعترفت واشنطن بأن التعاون ما بين الأسطول السعودى وقوة العمليات 153 سيتم من خلال مركز التعاون الإقليمى فى قيادة الأسطول الخامس المتمركز فى البحرين.
وفى هذا السياق، حذّر قائد سلاح البحرية التابع للحرس الثورى الإيرانى دول الخليج من إقامة علاقات مع إسرائيل، وأوضح أن هذه الخطوة ستضرّ بالأمن فى المنطقة كلها. وفى المقابل، أعلن الجيش الإيرانى فى الأيام الأخيرة إقامة وحدة مسيّرات جديدة فى المحيط الهندى. ولم يتم إعلان تفاصيل تتعلق بعدد السفن فى هذه القوة، باستثناء الإعلان أن كل سفينة ستحمل 50 مسيّرة، جزء منها لجمع المعلومات الاستخباراتية، وآخر للهجوم.
جزء من الردود الإيرانية شدد على أن تعزيز التفوق العسكرى الإسرائيلى من الممكن أن يكون موجها ضد جهات عربية وإسلامية، ليست إيرانية. بذلك، تحرج إيران أنظمة فى المنطقة من خلال التوجه إلى الجمهور فى دولهم واستغلال حقيقة أن أجزاء واسعة من هذا الجمهور لا ترى التقرب من إسرائيل بالطريقة ذاتها التى تنظر الأنظمة إليها.
انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية ــ سنتكوم ــ فى سبتمبر، شكل نقطة تحوُّل مهمة فى دمج إسرائيل فى المنطقة، بوساطة أمريكية. ومنذ هذا الإعلان، تم إجراء بعض التدريبات البحرية المشتركة الواسعة التى شاركت فيها إسرائيل، كما التقى وزير الدفاع جانتس قائد الأسطول الخامس خلال زيارته إلى البحرين. هذه الخطوات المهمة، تفسح المجال للاستمرار فى التعاون الإقليمى. ومن المهم التذكير بأن مسئولية سنتكوم هى الدفاع عن جنوده فى الأساس، وأيضا محاربة الإرهاب. ومكونات الدفاع هذه التابعة لسنتكوم تعمل منذ الآن، والحديث المبالغ فيه بشأن التعاون مع إسرائيل من شأنه أن يضر بحُرية عمل هذه القوة.
هذا بالإضافة إلى أنه يجب الشك فى نية وقدرة جميع الأطراف، فى هذه المرحلة على الأقل، بإقامة منظومة دفاع مشترك تربط بين الأطراف التى تقوم بالاعتراض وتنقل المعلومات الاستخباراتية من الرادارات والأقمار الصناعية فى الوقت الحقيقى. ولهذا، يُضاف الاختلاف فى المنظومات ذاتها: إسرائيل تستعمل منظومات دفاع ــ قبة حديدية، والعصا السحرية وأمورا أُخرى ــ من إنتاج محلى. هذا مقابل دول المنطقة التى تفعّل منظومات متعددة، منها منظومات أمريكية وروسية وصينية. هذا بالإضافة إلى أن دول الخليج تعيش تهديدا مباشرا إيرانيا؛ فبناها التحتية النفطية مكشوفة أمام التهديد الإيرانى، ومسارات الملاحة تسيطر عليها إيران، ومن الواضح أنها لن تخاطر بعلاقات علنية مع إسرائيل.
لذلك، وبعد موجة الحديث العلنى المبالَغ فيها عن منظومة دفاع إقليمى مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول المنطقة، جاء الرد خلال زيارة بايدن فى الخليج: المستشار السياسى لرئيس الإمارات أنور قرقاش أعلن أن دولته لا تدعم أى حلف إقليمى موجّه ضد دولة فى الإقليم، وبالتأكيد ليس ضد إيران التى تعمل على بناء جسور معها، وحتى تعيين سفير إماراتى فى طهران. كما صرّح وزير الخارجية السعودى بأنه خلال القمة المشتركة مع الرئيس الأمريكى، لم تُطرح أى إمكانية لتعاون عسكرى أو تقنى مع إسرائيل.
• • •
هذه التطورات والتصريحات تعكس جيدا الوضع المعقد حيال إيران فى المنطقة: فمن جهة، هناك شعور بالتهديد من إيران وأذرعها. إذ إن جاهزية إيران لتفعيل الصواريخ والمسيّرات أثبتت نجاعتها وقدرتها على الردع، كما أن تحذيرات المسئولين الإيرانيين الموجهة إلى الدول الخليجية كانت واضحة وصارخة. ومن جهة أُخرى، حتى عندما تعرضت هذه الدول إلى الهجوم امتنعت من الرد واكتفت بالاحتجاجات، التى دلت بالأساس على الإحباط والغضب من عدم رد واشنطن. لذلك، جاء قرار إيران منح الأولوية لترميم العلاقات مع جيرانها على أرض خصبة. فجرت سلسلة لقاءات على مستويات رفيعة المستوى بين مسئولين إيرانيين وإماراتيين، كما جرت 5 جولات من الحوار بين إيران والسعودية. ومن الواضح لجميع الأطراف أن المصالح متضاربة، ولن تتغير، لكن إيران ودول الخليج سويا تفضل الوصول إلى تفاهمات على استمرار المواجهات والتصعيد.
الرسالة المركزية التى مرّرتها إيران إلى جاراتها فى الخليج كانت واضحة وحادة، وتضمنت تهديدا واضحا بالرد إذا تبين أن التعاون العسكرى مع إسرائيل يتقدم. الضغط العسكرى الإيرانى، المباشر وغير المباشر، يستند بالأساس إلى منظومة الصواريخ الباليستية الدقيقة التى قامت إيران ببنائها فى الأعوام العشرة الأخيرة، بالإضافة إلى منظومات المسيّرات. الإمكانات المطروحة للرد على إيران من خلال خطوات إقليمية مشتركة للتعامل مع تفوق إيران على جيرانها وأمام المنظومة الأمريكية فى المنطقة، دفعت إيران إلى الرد بتهديدات عدوانية. لذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن يكون هناك تحضيرات إيرانية خفية لخطوات ملموسة توضح جدية نياتها.
وفى نهاية زيارة الرئيس بايدن فى المنطقة: هل تم تعزيز الردع الإسرائيلى ضد إيران أم إضعافه؟ وهل موجة الحديث عن منظومة إقليمية، كان هناك شكوك أصلا فى احتمالات إقامتها اليوم، ساعدت على الدفع قدما بالفكرة، أم أبعدتها؟ يبدو أنه من الأفضل العودة إلى طرق العمل القديمة التى تركزت على تطوير المصالح الأمنية المشتركة ما بين إسرائيل ودول المنطقة، تحت الرادار.
وعلى الهامش ــ فإن الحديث فى إسرائيل، الذى يتم من خلاله طرح القضية الفلسطينية على أنها لم تعد مهمة لدول المنطقة، ولم تعد بالتالى تؤجل التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، يقوى من «سردية الخيانة» التى تنشرها السلطة الفلسطينية وتنتقد بها دول «اتفاقيات أبراهام». هذه السردية تنتشر بين الجماهير فى دول المنطقة، ومن المؤكد أنها لا تساهم فى خلق الأجواء التى تسمح بنقل العلاقات مع إسرائيل إلى المستوى العلنى.
مدير معهد دراسات الأمن القومى، مسئولة وحدة أبحاث إيران فى المعهد
مباط عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
تامير هايمن وسيما شاين