حرارة الصيف

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 20 يوليه 2023 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

شهد هذا الأسبوع موجة حارة غير معتادة فى مثل تلك الأيام من العام. أكثر ما اتسمت به تلك الموجة أنها ضربت العالم كله تقريبا، لا سيما المناطق التى اعتاد المناخ فيها أن يكون فى مثل تلك الأوقات يتسم بالاعتدال. فبلدان أوروبا والولايات المتحدة التى تصل أقصى درجات الحرارة فيها فى تلك الأوقات إلى الـ35 درجة، تشهد هذه الأيام ارتفاعًا غير مسبوق، وصلت شدته إلى 45 درجة فى بعض المناطق، ضاربة عرض الحائط بجميع التوقعات، حتى تلك التى تحسب حساب الاحتباس الحرارى وموجة الاحترار الناتجة عن الانبعاثات الحرارية المتمثلة بالأساس فى غازات أول أكسيد الكربون والنيتروز والميثان.
أبرز المشاهد على تأثر بلدان العالم بالموجة الحارة اليوم، كثرة حرائق الغابات، والصعوبة التى تجدها الدول فى عمليات الإطفاء، وكذلك اندفاع المياه بكثرة بسبب الانهيارات الجبلية الجليدية، التى وسمت المناطق القطبية على مدار العالم فى أقصى شمال وجنوب المعمورة، وكل ذلك يسبب تجريف التربة، وتآكل الشواطئ، ونحر البحر، ما يزيد من مساحة المياه على كوكب الأرض والمعروف بالكوكب الأزرق، والمتمثلة فى 71% من مساحته الكلية.
واحد من أكثر الأمور التى ساهمت فى تلك الموجة الحارة، إن لم يكن أوحدها على الإطلاق، شدة الانبعاثات الحرارية خاصة من قبل الدول الصناعية الكبرى. وحتى بالنسبة إلى دولة كالصين وصل إنتاجها من الطاقة المتجددة وعلى رأسها طاقة الرياح والأمواج والشمس نحو 7000 جيجا وات، إلا أنها ما زالت تعتمد بشكل رئيس على الطاقة الناتجة من الفحم الحجرى، ما يجعل مناخ العالم نتيجة تلك الانبعاثات غير مألوف بالنسبة لدرجات الحرارة.
بطبيعة الحال، فإن وضع مصر من كل هذه الأمور يتسم بكونها متأثرة وليس مؤثرة، فهى تساهم فى تلك الانبعاثات بشكل يكاد لا يذكر، لأنها دولة غير صناعية، وهى لا تنتج فى أفضل الأحوال من الغازات المسببة لتلك المشكلات سوى ما يقرب 250 مليون طن، أى ما يشكل 0,5% من جملة الانبعاثات العالمية.
أما مجالات تأثر مصر بتلك الموجة الحارة فهى كثيرة، فعلى الصعيد الشخصى خرج عديد المصريين إلى الشواطئ والمنتزهات الساحلية بغية الترويح عن النفس، لمواجهة عناء حرارة الجو المرتفعة وغير المسبوقة فى هذا الوقت من العام.
وعلى الصعيد العام، فإن موجة الاحترار أثرت على المزيد من استهلاك الطاقة الكهربائية، بسبب تشغيل عديد الأجهزة الكهربائية التى تساهم فى تلطيف الجو. وعلى الرغم من أن هذا الاستغلال لا يجهد الإمكانات المصرية المتوافرة من الطاقة، بسبب وجود فوائض فى الطاقة الكهربائية ما زال كبيرا وغير مستغل، إلا أن هناك بلا شك عديد التأثيرات التى تجعل من هذا الاحترار تأثيرا غير محمود على عملية التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، وتزداد تلك التأثيرات وطأة لكونها من الصعب دفع ضررها بالإمكانات الذاتية، ناهيك عن أنها انبعاثات لا تعرف الحدود السياسية للدول، ومن ثم يصعب تحميل طرف دون غيره مسئوليتها، كما يصعب صدها لأنها لا تأتى من جهة دون أخرى، وإن كان سببها يرجع إلى مخلفات الصناعة.
الزراعة ومياه الرى هى أبرز المتأثرات بتلك الموجة. إذ إن الاحترار يؤثر فى التركيب المحصولى والدورة الزراعية التى تعرف محاصيل شتوية تقليدية كالقمح، وأخرى صيفية كالذرة والأرز. ما سبق من أمور يؤثر بلا شك فى العائد والكم والجودة المنتظرة من المحصول، بسبب التأثر بحرارة غير طبيعية، وبالتبعية بشح المياه، وبأمطار تهطل فى أوقات غريبة وغير معتادة، ورياح ترابية عاتية أحيانا، وكذلك بظهور أنواع جديدة من الآفات. ارتفاع الأمواج ونحر البحر فى الدلتا هى أيضا من الأمور التى تتأثر بالانبعاثات الحرارية.
أبرز الأمور التى يمكن أن يتم عبرها مواجهة تلك الموجات الحارة، هو مواجهة أسبابها وهو الانبعاثات الحرارية، ويتمثل ذلك على وجه الخصوص فى تلقى مزيد من المنح والهبات من الدول المعروف أنها مسببة للانبعاثات الحرارية نتيجة المبالغة فى تلويث البيئة من خلال عمليات التصنيع المسبب لاستشراء الغازات السامة فى جو المعمورة، وتخصيص تلك المساعدات المالية فى برامج مواجهة الانبعاثات الحرارية، ما يفضى فى النهاية فى تقليل تداعيات تلك الانبعاثات. ولعل أبرز الأمور المرتبطة بذلك هو دعم التنمية المتمثلة فى الاقتصاد الأزرق، أى تنمية المناطق المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط بما يقى تلك المناطق من مخاطر الانبعاثات الحرارية، إضافة إلى دعم برامج الطاقة المتجددة خاصة تلك القائمة على استغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved