الإسرائيليون والأمريكيون إخوة فى السلاح لكن ليس بأى ثمن
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 20 أغسطس 2014 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
معركة رفح التى دارت يوم الجمعة قبل أسبوعين واستمرت ساعة ونصف الساعة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كانت بالنسبة إلى البيت الأبيض إحدى النقاط الأكثر أهمية فى الحرب التى استمرت شهرا فى قطاع غزة. وقد فوجئ موظفو الإدارة الأمريكية فى ذلك النهار مرتين.
المفاجأة الأولى كانت خرق وقف النار الذى أعلنه وزير الخارجية جون كيرى قبل ساعات، وخطف الضابط فى الجيش الإسرائيلى هدار غولدِن الذى شكل صدمة للأمريكيين. وكانت ردة الفعل الأمريكية خلال الساعات الأولى التى تلت الحادثة الإعراب عن التأييد العلنى والقوى لإسرائيل بما فى ذلك من قبل الرئيس أوباما نفسه.
أما المرة الثانية التى أصيب فيها كبار الموظفين فى الإدارة بصدمة فهى عندما بدأ يتضح لهم حجم الدمار وعدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين نتيجة تطبيق بروتوكول هنيبعل داخل مدينة مكتظة سكانيا. ويروى مسئول أمريكى رفيع أن التقارير التى تحدثت عن استخدام إسرائيل الكثيف للمدفعية
والدبابات والقصف الجوى، روّعت البيت الأبيض.
امتنعت الإدارة الأمريكية فى ذلك اليوم عن التعليق علنا، لكنها أرسلت رسالة حادة إلى ديوان رئيس الحكومة عبر قنوات دبلوماسية. فى الأيام التى تلت ذلك وقصفت خلالها منشآت تابعة للأونروا كانت تؤوى مئات المدنيين، صدرت بيانات أمريكية تدين إسرائيل مستخدمة لهجة هى الأقسى خلال السنوات الأخيرة.
أوصل «يوم الجمعة الأسود» فى رفح الإحباط الأمريكى إلى الذروة بسبب الأساليب التى تستخدمها إسرائيل فى غزة ونتيجة عجز الولايات المتحدة عن التأثير على حليفتها. ويعكس قرار البيت الأبيض تعليق شحن صواريخ طوافات الأباتشى، الذى كشفت عنه مجلة «وول ستريت جورنال»، أن الأمريكيين قرروا الانتقال من الكلام إلى الأفعال فى محاولة للجم القوة الإسرائيلية فى غزة وما تلحقه من الضرر بالمدنيين. بالأمس أكدت وزارة الخارجية فى واشنطن تشديد إجراءات الرقابة على شحن السلاح والذخيرة إلى إسرائيل. وهكذا، فإن جميع الطلبات ستدرس بدقة وستستغرق الإجراءات البيروقراطية ساعات إضافية تبطئ وتيرة شحن العتاد العسكرى.
فى المدى المباشر لن يكون لهذا القرار انعكاسا على قدرة الجيش الإسرائيلى، لكنه سيؤدى إلى إلحاق أذى سياسى كبير بإسرائيل.
لقد رسمت الخطوة الأمريكية خطا أحمر إزاء كل ما يتصل باستخدام القوة فى الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى. وأوضح الأمريكيون أنهم يؤيدون حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، لكن ليس بأى ثمن. والرسالة التى أراد أن يمررها البيت الأبيض إلى رئيس الحكومة ووزير الدفاع هى أن علاقة إسرائيل الجيدة بالصناعة العسكرية الأمريكية لم تعد من غير شروط وتعهدات.
إن قرار البيت الأبيض نموذج جديد لما يشكله التصعيد فى الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى وجمود عملية السلام من خطر على الأمن القومى لإسرائيل. وفى الواقع فإن الولايات المتحدة هى واحدة من بين عدة دول حليفة لإسرائيل ألمحت إلى استيائها من السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين من خلال تجميد تزويدها بالسلاح.
فقبل بضعة أشهر رفضت ألمانيا إعطاء إسرائيل قرضا قيمته مئات الملايين من اليورو من أجل شراء زوارق صواريخ متطورة للدفاع عن منشآت الغاز بسبب انهيار عملية السلام واستمرار البناء فى المستوطنات. وخلال الحرب على غزة أعلنت إسبانيا تقليص الصادرات الأمنية إلى إسرائيل احتجاجا على الإصابات بين المدنيين. وفى بريطانيا أدت الحرب فى غزة إلى خروج موجة من التظاهرات المعادية لإسرائيل وإلى مواجهة سياسية عنيفة داخل الائتلاف الحكومى. وكانت النتيجة صدور قرار يقضى بدراسة شاملة لسياسة بيع السلاح إلى إسرائيل، وتجميد 12 رخصة لصادرات أمنية بينها قطع لدبابات ميركافا وللطائرات من دون طيار.
ما تزال إسرائيل بعيدة عن أن يُفترض حظر على السلاح ضدها، لكن التوجه واضح وليس مشجعا. ومن يبحث عن نموذج لما قد يحدث يستطيع النظر إلى العقوبات الاقتصادية التى فرضها الاتحاد الأوروبى ضد المستوطنات التى ازدادت فى السنوات الأخيرة.
لقد أدت الحرب على غزة إلى المزيد من تدهور مكانة إسرائيل الدولية وساهمت فى عزلتها. ويتعين على الحكومة بعد الحرب القيام بخطوة سياسية تكبح هذا التدهور، لكن يبدو أنها غير قادرة على ذلك.