ليست الحلقة الأخيرة!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الخميس 20 أغسطس 2015 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
لن يتوقف «تقنين الاستثناء» فى مصر عند تمرير قانون الإرهاب الذى يحمل عصفا كارثيا بضمانات حقوق وحريات الناس وإجراءات التقاضى العادل.
حين مرر قانون التظاهر، ظن بعض المتشدقين زيفا بشعارات الديمقراطية أن السلطوية الجديدة ترغب فقط فى استعادة وضعية «الاستقرار» وأن مؤسسات وأجهزة الدولة لن تطبق المواد التعسفية فى قانون التظاهر إلا على الإخوان وحلفائهم الذين هيأت هيستيريا العقاب الجماعى والمكارثية وخطابات الكراهية الرأى العام لاستباحة دمائهم وانتهاك حقوقهم وحرياتهم ولتجاهل التمييز الضرورى إزاءهم بين ممارسى العنف والمحرضين عليه وبين المتمسكين بالابتعاد عنه.
وشرعت من ثم طوائف المتشدقين بشعارات الديمقراطية فى تدبيج المبررات الفاسدة لقانون التظاهر، وفى الخلط غير الأمين عقليا وأخلاقيا وإنسانيا بين مقتضيات الحفاظ على أمن المواطن وسلم المجتمع وتماسك الدولة الوطنية وبين الاستخفاف بحقوق الناس وحرياتهم وبمبادئ العدل التى دونها تنهار حتما قاعدة سيادة القانون، وفى المقارنات الخاطئة بين قانون التظاهر المصرى وبين بعض قوانين التظاهر الغربية عبر الاستدعاء المنقوص «لقوانينهم» وممارسة الاستعلاء منزوع المضمون على ضمانات التقاضى العادل وغل يد السلطة التنفيذية التى تحضر فى واقع المجتمعات والدول الغربية ــ وتورط هنا بعض المحسوبين على المشهد الحقوقى وعلى منظمات الدفاع عن الحريات فى تبرير قانون التظاهر وفى إظهار التأييد للسلطوية الجديدة، ولولا وجود منظمات ومبادرات حقوقية وأصوات متمسكة بالفكرة الديمقراطية أبت أن تصمت على الطبيعة التعسفية لقانون التظاهر تماما كما رفضت الصمت على استباحة الدماء فى فض الاعتصامات ولم تمنعها إدانة الإرهاب من إدانة تغول السلطة التنفيذية وعنف المؤسسات والأجهزة الأمنية التى تسيطر عليها لأضيرت مصداقية عموم المشهد الحقوقى المصرى صاحب النضال الطويل للانتصار للحريات ولضربت مصداقية دفاعنا عن الديمقراطية فى مقتل.
وما أن ظهر جليا كون الهدف الحقيقى لقانون التظاهر هو تهجير المواطن من المجال العام والحيلولة دون تعبيره السلمى عن الرأى بحرية ودون خوف أو تهديد بالقمع، وما أن بدأت مؤسسات وأجهزة الدولة فى تطبيق قانون التظاهر ليس فقط على الإخوان وحلفائهم بل أيضا على آخرين من الشباب المدافع عن الفكرة الديمقراطية والمتمسك بالتظاهر السلمى كوسيلة للتعبير عن الرأى والضغط المشروع على السلطة التنفيذية لكى لا تواصل الطغيان والعصف بسيادة القانون، وما أن تنوعت هويات الضحايا لتشمل أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل وعلاء عبدالفتاح ويارا سلام وكثيرين من غير المعلومة أسماؤهم للرأى العام؛ حتى انقسمت طوائف مبررى قانون التظاهر إلى خدمة سلطان ومكارثيين لا يعنيهم غير تأييد السلطوية الجديدة وتخوين معارضيها وتسفيههم طمعا فى ثنائية الحماية والعوائد نظير التأييد والتهليل والضجيج والصراخ كذلك إذا لزم الأمر، وإلى صامتين خجلا من تبرير البدايات وممتنعين عن الحديث فى أمر قانون التظاهر وضحايا طبيعته التعسفية والقمعية وموغلين فى تناول كل الأمور الأخرى التى لا تغضب السلطوية الجديدة ولا ترتب تجريدهم هم من القليل المتبقى من المصداقية الأخلاقية والإنسانية ــ ما أروع الكتابة عن العالم الخارجى وقضاياه وتجاهل الأوضاع المصرية، وإلى نفر قليل يسعى لشىء من التطهر من تبرير البدايات بتوجيه النقد لتطبيق قانون التظاهر والتعسف الذى تتورط به المؤسسات والأجهزة الأمنية.
وتكررت ذات المشاهد والممارسات مع توالى تمرير السلطوية الجديدة للمزيد من القوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية مستغلة لاحتكارها لاختصاص التشريع ولجمهورية الخوف التى أعادتها إلى الواجهة، من تعديلات قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية والقضاء العسكرى وإلغاء الحد الزمنى الأقصى للحبس الاحتياطى ولجان مصادرة أموال الناس دون إجراءات تقاضى عادلة إلى قانون الخدمة المدنية وقانون الإرهاب.
والحصيلة ليست بعض المواد السيئة أو غير الدستورية هنا وهناك ــ على النحو الذى تعاملت به نقابة الصحفيين مع قانون الإرهاب، بل هى تقنين للاستثناء لن تخرج منه مصر إلا حين تستعيد مسار تحول ديمقراطى حقيقى وتجدد ذاكرة سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات وتوازن السلطات العامة.