أسرة المهاجر
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 أغسطس 2019 - 11:30 م
بتوقيت القاهرة
تحويلات المهاجرين تمثل دخلا قوميا مهما فى بعض الدول من بينها مصر، إلى حد أنها تعد من المصادر الأساسية للعملة الصعبة. جاء وقت زادت فيه تحويلات المصريين بالخارج، ووقت آخر انخفضت فيه، وكان لهذا الانخفاض تأثيره السلبى على الاقتصاد. هناك دول تستضيف آلاف المصريين مثل اليونان تعرضت لأزمة مالية طاحنة، أعقبها إجراءات تقشفية، عانى منها قطاع عريض من المصريين المقيمين بها، ولجأ بعضهم إلى استعادة أموال سبق إرسالها إلى مصر بغرض الادخار أو شراء أصول، وذلك حتى يستطيع العيش، والصمود فى وجه مشكلات حياتية قاسية. وهى الظاهرة التى أطلق عليها البعض مصطلح التحويلات العكسية.
هذا جانب مرئى ملحوظ يمكن قياسه بالأرقام والإحصاءات، ولكن هناك جانبا آخر لفت الانتباه إليه خبير دولى فى قضايا الهجرة التقيت معه أول أمس يتعلق بتكوين الأسرة، واختلال منظومة الأدوار الأساسية بها. يقول إن الهجرة الذى يترك خلالها الأب أسرته للعمل فى الخارج، ويكتفى بالتحويلات المالية التى يرسلها إليها لها أثر سلبى فى تكوين الأسرة فى عدة أوجه أبرزها أنها تسببت فى وجود جيل أصغر لا يميل إلى العمل، ولا يود أن يرهق نفسه فى تطوير قدراته طالما أن التدفقات المالية تأتى إليه، وعادة ما ينفق جانب كبير منها فى أغراض استهلاكية بحتة. ملاحظة اجتماعية تحتاج إلى بحث، ذكرتنى بدراسة سابقة قام بها الدكتور سعد الدين إبراهيم منذ عقود ثلاث حول ما سماه «تأنيث الأسرة المصرية»، استعرض خلالها التأثير الذى سببه انتقال عائل الأسرة للعمل فى دول الخليج على التكوين الاجتماعى للأسرة، وكيف أن الأم باتت تلعب دورا مزدوجا نظرا لغياب الأب، وفى حالات أخرى لعب الابن الأكبر دور الأب، أو شهدت الأسرة تدخلات من الأعمام أو الأخوال، أو ما شابه. وفى السنوات الأخيرة هناك إشارات اجتماعية وردت فى تحقيقات الصحفية أو بعض الأوراق البحثية حول التغيرات فى القيم داخل الأسرة، أو لدى أفرادها نظرا لغياب عائل الأسرة لسنوات طوال، والنظر إليه فقط بوصفه «مصدرا للتمويل» لا أكثر.
نحن بحاجة إلى دراسات جادة فى مجال الهجرة والسكان، ليس فقط الآثار الاقتصادية، ولكن أيضا التأثيرات الاجتماعية، والتغير فى القيم، والتحولات فى نظرة الشباب تجاه المجتمع، وطبيعة الأمراض الاجتماعية التى باتت تضرب بنيان الأسرة فى ظل غياب عائلها لسنوات، أو اختزال دوره فى الانفاق على الأسرة، دون أن يكون له أثر تربوى. وهناك باحثون جادون فى ذلك أذكر منهم الدكتور أيمن زهرى، والدكتور خالد حسن، وغيرهما.
مرة أخرى نجد أنفسنا نعيد تكرار نفس القضية، وهى البحث الاجتماعى الذى بات يعانى من عثرات عديدة منها غياب الدراسات التشريحية الجادة للمجتمع، والتى تساعد على فهم الظواهر الجديدة التى تهب رياحها عليه، وطرح الحلول لمواجهتها، حتى لا يصبح الوضع منقسما، ما بين دراسات اجتماعية عامة، مجردة، ليس فيها ابتكار أو تتبع للتغيرات فى المجتمع، وواقع اجتماعى يتغير لا يجد من يدرسه أو يحلله أو يقترح الحلول لمواجهة مشكلاته.