الاتجاهات الأربعة للمستقبل الإفريقى فى عام 2035

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 20 أغسطس 2020 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن تناول فيه تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية والديموغرافية والأمنية على تشكيل مستقبل القارة الأفريقية.. نرض منه ما يلى.

أشار الكاتب إلى أربع تحولات رئيسية شهدتها إفريقيا خلال السنوات الماضية ترتبط بعضها البعض وستسهم فى تشكيل المستقبل الإفريقى، إلا أنه وفى نفس الوقت يرى الكاتب أنه لا يمكن الجزم أن هذه الاتجاهات العامة قابلة للتطبيق على جميع مناطق القارة بسبب الطبيعة المختلفة للقارة الإفريقية.

التحولات الديموغرافية
أشار الكاتب إلى الإمكانيات الديمغرافية الضخمة للقارة الإفريقية، إذ يعد سكان إفريقيا الأسرع نموًّا فى العالم، وسوف يشكلون ما يقرب من نصف النمو السكانى العالمى على مدى العقدين المقبلين. وتتميز إفريقيا بارتفاع نسبة الشباب، مما يشير إلى اتجاه عام يؤكد أنه بحلول عام 2100، سوف يكون 50٪ من المواليد فى العالم فى إفريقيا. ومع ذلك فإنه فى ظل مسار التنمية الحالى، من المرجح أن يؤدى النمو السكانى السريع للغاية إلى تفاقم الفقر وانعدام الفرص الاقتصادية.
من المرجح أن تزداد قوة قارة إفريقيا على المسرح الجيوسياسى العالمى مع زيادة عدد سكانها. وعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن تكون نيجيريا الدولة الوحيدة من بين الدول العشر الأكثر اكتظاظًا بالسكان فى العالم والتى شهدت نموًّا فى عدد سكانها فى سن العمل على مدار القرن الحالى (من 86 مليونًا فى عام 2017 إلى 458 مليونًا فى عام 2100)، مما يدعم النمو الاقتصادى السريع، وارتفاع تصنيف الناتج المحلى الإجمالى من المركز 23 فى 2017 إلى المركز التاسع فى 2100. أضف إلى ذلك أن هذا التحول الديموغرافى يرتبط باتجاهات الهجرة. إذ عادة ما تعانى البلدان الفتية من حيث عدد الشباب وذات الدخل المنخفض، أو التى تعانى من النزاعات المسلحة من الهجرة إلى الخارج. ومع ذلك فإن مستويات الهجرة إلى خارج القارة الأفريقية منخفضة بالمعايير الدولية، وإن كانت فى ازدياد.

الاتجاهات الاقتصادية الكلية
يرى الكاتب أنه من غير المرجح أن تنمو الاقتصادات الإفريقية بالسرعة الكافية لمواكبة النمو السكانى السريع. وفى عام 2035، قد يكون هناك ما يصل إلى 170 مليون إفريقى يعيشون فى ظل حالة من الفقر المدقع بصورة تجاوز ما يكون عليه الوضع فى 2020. ولذلك يتصور الكاتب ثلاثة اتجاهات اقتصادية كبرى فى ظل جائحة (كوفيدــ19):

1ــ «تراجع العولمة»: وهو ما يؤثر على معدلات التبادل التجارى العالمية. ولا يمكن للقارة أن تفعل شيئًا يذكر لمواجهة القوى العالمية التى تميل نحو تراجع العولمة، لكن يمكنها هى نفسها أن تتبنى النزعة الإقليمية الخاصة بالاعتماد على الذات من خلال تعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية.

2ــ الديون والاستدامة المالية: لعل من بين أكبر الدائنين لإفريقيا ما يسمى بـ«بنوك السياسة» الصينية التى كانت مُقرضًا رئيسيًّا للبلدان الإفريقية على مدار العقد الماضى. ومن المتوقع أن تصبح ديون القارة مسيسة بشكل متزايد من قبل الدائنين الغربيين والصين. والأهم من ذلك، أنه لا يمكن للدول الإفريقية معالجة عبء الديون الذى يؤدى إلى تراجع النمو إلا من خلال تبنى إصلاحات هيكلية حقيقية من أجل تعزيز قدرتها التنافسية على المدى الطويل. وفى نهاية المطاف يجب أن يصبح هذا هو الإرث الملموس لأزمة (كوفيدــ19).

3ــ الرقمنة المتصاعدة: لقد أفضت أزمة كوفيدــ19 إلى تسريع تبنى التقنيات الرقمية، مما سيؤثر على الاقتصادات غير المستعدة لهذا التغير التكنولوجى السريع. قد يؤخر ذلك التحول الانتعاش الاقتصادى فى العديد من الدول الإفريقية النامية. لكن هناك استثناءات بالطبع، حيث تسعى رواندا إلى تعزيز مكانتها كاقتصاد خدمات مدعوم بالتكنولوجيا قادر بشكل أفضل على الاستفادة من الابتكار والمعرفة فى مرحلة ما بعد (كوفيدــ19).

التحولات السياسية
يشير الكاتب إلى التحولات السياسية التى شهدتها الدول الإفريقية قبل أزمة كورونا والتى حدث فى معظمها تغييرات فى القيادة السياسية والنخبة الحاكمة، وهو ما جعل تقرير «برتلسمان» لمؤشر التحول فى إفريقيا لعام 2020 يشير إلى أهمية توخى الحذر لأن الإصلاح السياسى السريع وتغيير القادة يؤدى إلى زيادة التوقعات والتى سرعان ما تدفع بها التحديات والقيود السياسية المستمرة إلى إحباطات جماهيرية بسبب عدم حدوث أى تغيرات ذات قيمة. أحرزت بعض الدول تقدمًا ضئيلًا نحو الديمقراطية، بيد أنه فى بعض الحالات ولا سيما مع تبنّى الاستجابات الأمنية لأزمة (كوفيدــ19)، أصبحت البلدان أكثر قمعية بشكل تدريجى.
وفى الوقت نفسه، ظلت العديد من الدول الأكثر ديمقراطية فى القارة على حالها أو أنها تراجعت قليلًا. وهكذا، لم تشهد منطقة إفريقيا أى تغييرات مهمة على المستوى العام للديمقراطية والإدارة الاقتصادية والحوكمة.

تمدد بؤر التنظيمات الإرهابية
أسهمت المشكلات المتراكمة التى واجهتها الدولة الإفريقية على مدى العشرين عامًا الماضية بدور كبير فى نمو الظاهرة الإرهابية، وخاصة منطقة الساحل. حيث يتوسّع فيها الإرهاب ويتمدد بسبب عدد من الأسباب من ضمنها فساد الحكم، واتساع رقعة المناطق المهمشة والنائية التى تقع خارج نطاق السلطة المركزية. ونظرًا لتركيز الولايات المتحدة على سياسة احتواء الصين فى ظل إدارة الرئيس «دونالد ترامب»، وقرارها بخفض وجودها العسكرى المخصص لمكافحة الإرهاب فى الساحل؛ فإنه من المرجح أن تواجه الدول الفاشلة والضعيفة فى المنطقة معضلة أمنية كبرى، مما يجعل منطقة الساحل وغرب أفريقيا ملاذًا آمنًا للتطرف الجهادى والتجنيد والتمويل فى العمليات الإرهابية العالمية والمحلية.
كان لجائحة كوفيدــ19 تأثير محدود للغاية على الأنشطة الإرهابية فى منطقة الساحل، بل وبالعكس كانت هناك زيادة مطردة فى الهجمات. إذ بالإضافة إلى الهجمات على الأهداف العسكرية، كانت بوكو حرام مثلًا تستهدف العاملين فى مجال الرعاية الصحية. كما تقوم بتدمير المؤسسات الدينية والتعليمية على حد سواء. أصدرت بوكو حرام رسالة صوتية مدتها ساعة توضح بالتفصيل موقفها من (كوفيدــ19)، حيث صوّر زعيمها «أبو بكر شيكاو» الفيروس كعقاب إلهى بسبب انغماس الناس فى اللواط وعدم دفع الزكاة. كما زعم كذلك أن غير المسلمين والمنافقين كانوا يستخدمون تفشى المرض كذريعة لمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية، ووقف صلاة الجماعة والحج إلى مكة. وأدانت الجماعة التدابير الاحترازية التى اتخذتها السلطات، مثل سياسات الإغلاق والتباعد الاجتماعى، باعتبارها شرًّا. كما استمرت الجماعة فى الادعاء بأن غابات سامبيسا (المقر الحصين للجماعة فى الشمال النيجيري) هى ملاذ آمن ضد الوباء، وهى بالطبع دعاية لغواية وتجنيد مزيد من الشباب النيجيريين.
يرى الكاتب فى الأخير أنه ينبغى أن تواصل الدول الإفريقية السعى وراء مبادرات مبتكرة وإصلاحات اقتصادية لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور التى تدعم الإرهاب والعنف. فى عام 2019، أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عن اتفاق لتنفيذ خطة 2020ــ2024 لمكافحة الإرهاب فى المنطقة. وطبقًا لهذه الخطة، من المتوقع أن يتم تخصيص 2.3 مليار دولار للحصول على المعدات العسكرية والتدريب، وتعزيز قدرات تبادل المعلومات الاستخباراتية لمعالجة ثغرات أمن الحدود وشبكات التجنيد للتنظيمات الجهادية. ومع ذلك ينبغى أن يكون مفهومًا أن الإرهابيين يسعون إلى استغلال نقص الطرق والمرافق الصحية والمؤسسات التعليمية والفرص والخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التى تعتبر حيوية لتحقيق الاستقرار والأمن فى المجتمعات المحلية.
وثمة حلول قابلة للتطبيق على المستوى القارى لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الدافعة للإرهاب، ومن ذلك منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التى تسعى إلى إدماج جميع دول القارة فى سوق واحدة تضم 1.2 مليار شخص وناتج محلى إجمالى بقيمة 3.4 تريليون دولار. وقد وقّعت جميع الدول باستثناء إريتريا على الوثائق القانونية الخاصة بالاتفاقية. وبمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، سوف تصبح إفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم منذ تشكيل منظمة التجارة العالمية فى عام 1995. وبرؤية جيوسياسية أكثر شمولًا يمكن أن يُحدث ذلك تحولات فارقة فى بنية النظام الدولى. قد يدفع ذلك إلى تراجع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لصالح قوى جديدة صاعدة على رأسها الصين وروسيا. ويمكن لإفريقيا من خلال السياسات الاقتصادية الجديدة والإصلاح الحكومى، أن تعيد بناء أسس العلاقات بين السلطة الحاكمة والمجتمعات القبلية والقادة المحليين للحد من تأثير وجاذبية الخطاب الراديكالى العنيف.

النص الأصلى
https://bit.ly/2CGJLVX

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved