تعامل بوتين مع «ثغرة كورسك».. على خطى هتلر أم ستالين؟
خالد أبو بكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 أغسطس 2024 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
إذا كنت من عشاق التاريخ العسكرى والتقليب فى المعارك الكبرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية بالتأكيد لم يفاجئك ظهور اسم «كورسك» تلك المقاطعة الروسية الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، والتى تصدرت عناوين الأخبار بعد نجاح تشكيلات أوكرانية فى إحداث ثغرة فى خطوط روسيا وعبور الحدود إلى «كورسك» اعتبارا من ليلة 5 ــ 6 أغسطس الجارى، وهى الثغرة التى نالت من كبرياء الجيش الروسى ومن هيبة فلاديمير بوتين، بعد أن أحرزت القوات الأوكرانية تقدما سريعا، سيطرت خلاله حتى الآن، على 1150 كيلومترا مربعا من الأراضى الروسية، وفقا لقائد الجيش الأوكرانى ألكسندر سيرسكى.
أقول لن تفاجئك لأن «كورسك» تحتل مكانة خاصة فى تاريخ الحرب العالمية الثانية؛ ذلك لأن هذه المدينة أعطت اسمها لأكبر معركة دبابات عرفها التاريخ بين الاتحاد السوفييتى وألمانيا النازية، والتى شارك فيها نحو مليونى جندى و4000 طائرة و6000 دبابة والعديد من المركبات الأخرى واستمرت لمدة 50 يومًا (من 5 يوليو إلى 23 أغسطس 1943).
فى ذروة الحرب العالمية الثانية سنة 1943 كانت معركة كورسك بمثابة نقطة تحول حاسمة فى الحملة السوفييتية بقيادة جوزيف ستالين لأخذ زمام المبادرة وطرد قوات أدولف هتلر من الاتحاد السوفييتى. وبعد مرور 81 عامًا وجدت «كورسك» نفسها ساحة لمعركة جديدة تكافح فيها أوكرانيا لتحرير أراضيها من قوات بوتين، عبر هذه العملية الهجومية الجريئة التى منحتها المبادرة رغم المخاطر التى تحفها.
***
كلتا المعركتين.. «كورسك» الأولى والثانية وقعتا بعد هجوم خاطف لهتلر وبوتين.. فجاءت الأولى بعد نحو عامين من حرب «الفوهرر» الخاطفة ضد الاتحاد السوفييتى التى بدأت فى يونيو 1941 والتى حملت قواته بسرعة إلى ما وراء لينينجراد إلى أن جرى تثبيتها عبر قتال سوفييتى ملحمى على أسوار ستالينجراد. فيما تدور معركة «كورسك الثانية» بعد عامين ونصف من غزو بوتين أوكرانيا فى فبراير 2022 على أمل تحقيق نصر سريع حاسم، لكن الأداء الروسى فى مجمله لم يرق إلى فخامة ما أضافته «الفيرماخت» الألمانية إلى مفهوم «الحرب الخاطفة»، بغض النظر عما آلت إليه النتيجة النهائية للحرب العالمية الثانية من هزيمة الرايخ الثالث.
«المفاجأة» أيضا لعبت دورًا رئيسيًا فى معركتى كورسك.. ففى سنة 1943، أخفى السوفييت مصائد الدبابات والألغام التى أعدوها أثناء انتظارهم الهجوم الألمانى. كما أمر المارشال جورجى جوكوف، قائد القوات السوفييتية فى كورسك بإنشاء مطارات وهمية حتى يهدر الألمان الوقود والذخيرة على أهداف خداعية. وتجنب قادة الجيش الأحمر أى اتصال يمكن للألمان اعتراضه. كما نجحوا فى إخفاء الأعداد الضخمة من الدبابات التى حشدوها لهذه المعركة والتى سيدفعونها إلى خطوط القتال عندما تنضج الظروف. نجحت خطة السوفييت، وعلى أثرها اضطر الألمان للانسحاب بعد أن خسر هتلر آلاف الرجال والمعدات فى أكبر معركة دبابات فى التاريخ.
لم تكن «المفاجأة» غائبة عن معركة «كورسك» فى صيف 2024، ذلك أن أوكرانيا لم تعطِ أى إشارة إلى أنها ستحول قواتها من الدفاع عن «خاركييف» و«دونباس» للقيام باختراق جرىء وجسور وخاطف فى اتجاه «كورسك»، فمن المثير أن رئيس الأركان العامة الروسى الجنرال فاليرى جيراسيموف تلقى تحذيرات استخباراتية من تجمع القوات الأوكرانية بالقرب من الحدود مع «كورسك»، لكنه استخف بها ولم يبلغ بوتين بشأنها، ليجد الجنرال نفسه وهو يبحث عن أعذار فى اجتماع غير عادى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الروسية بعد أيام قليلة من بدء القوات الأوكرانية التوغل، وفقًا لمصادر بلومبرج.
***
الأهداف الأوكرانية من ثغرة كورسك ــ كما أشرت فى مقال سابق ــ تستهدف احتلال (أو حصار) محطة كورسك للطاقة النووية وأكبر شريحة من الأرض الروسية قبل المفاوضات المحتملة؛ فتقديرات كييف تذهب إلى أنه إذا فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة فى نوفمبر المقبل، فمن المرجح أن يؤدى تهديده بإيقاف الدعم العسكرى إلى إجبار الرئيس الأوكرانى زيلينسكى على قبول التفاوض، وتريد الحكومة الأوكرانية التأكد من أنها إذا اضطرت للدخول فى هذه العملية يكون لديها ما تقايض به روسيا.. محطة كورسك النووية الروسية مقابل محطة زابوروجيا الأوكرانية التى تحتلها موسكو.. أراض داخل روسيا بأراض داخل أوكرانيا.. أسرى بأسرى.
إن تحقيق هذه الأهداف الأوكرانية مرهون بقدرة كييف على الاحتفاظ بالأرض التى احتلتها داخل «كورسك» وصد الهجوم المضاد الروسى الذى من المتوقع أن يكون شرسا فى ظل معاناة الأوكران من النقص فى الرجال والعتاد.. وبناء على نتائج هذا الهجوم المضاد نفسه سوف يتضح مصير معركة كورسك الثانية بالنسبة لبوتين.. وهل هو يسير على خطى هتلر.. أم إلى تحقيق انتصار جديد يعزز ما حققه ستالين فى سنة 1943؟