رسائل الشيخة «نور» الإنجليزية!
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 20 سبتمبر 2019 - 11:15 م
بتوقيت القاهرة
نالت مصر (والقاهرة تحديدا) اهتماما كبيرا من جانب المستشرقين فى القرن التاسع عشر، وما قبلها. كان لها سحرها الخاص وجاذبيتها التى لا تفسر. كتبوا عنها فى العصور القديمة، والعصور الوسطى، وفى عهد محمد على، وعهد إسماعيل.
وخلال ثلاثة عقود من بداية القرن التاسع عشر، وضع الإنجليز، فقط، نحو 35 كتابا تصف رحلات أصحابها إلى مصر، وتناولت الجانب الأكبر فى هذه الكتب الرسوم والشخوص المسجلة على الآثار المصرية القديمة، وكانت هذه الكتب حافلة بالوصف والصور والرسوم التى تسجل معالم القاهرة وحياة الناس فيها؛ ويكفى أن واحدا منها ظل مهيمنا على الوجدان المصرى طيلة ما يزيد على المائة وخمسين سنة؛ أقصد كتاب إدوارد وليم لين الشهير «المصريون المحدثون ـ عاداتهم وتقاليدهم»، وكذلك الكتب التى أنتجها أفراد من أسرته تاليا، صوفيا لين بول، وستانلى لين بول.
وفى القرن التاسع عشر، زارت مصر أربع كاتبات إنجليزيات مشهورات؛ هن «أرييت مارتينو»، و«صوفيا بول»، و«ليدى دوف جوردون»، ثم الرابعة «إميليا إدواردز»، الأولى ألفت كتاب «الحياة الشرقية»، والثانية أصدرت كتابها الذى ترجم إلى العربية بعنوان «حريم محمد على»، أما الرابعة، فقد كان لها كتابها «ألف ميل صعودا إلى النيل»، وانفردت من بينهن «ليدى دوف جوردون» بكتاب فريد من نوعه؛ ذى خصوصية، ربما لم تتكرر فى أى من الكتب التى ألفت عن مصر فى تلك الفترة.
أهدانا الكاتب والمبدع الكبير إبراهيم عبدالمجيد الترجمة العربية الكاملة لـ «رسائل من مصر» الذى يقع فى 520 صفحة (صدر عن دار بيت الياسمين للنشر 2019) للسيدة التى عاشت سنواتها الأخيرة فى مصر، وماتت ودفنت بها، وأحبت المصريين وارتأت بحسها الإنسانى ما كانت تحجبه النظرة الاستشراقية المتعالية السائدة آنذاك وما كانت تطمسه الروح الاستعمارية الانتهازية البغيضة التى كانت ترسخ لنظرة ازدرائية لشعوب وأمم جنوب المتوسط، والأنحاء الخارجة عن حدود القارة العجوز!.
فى هذه المجموعة الرائعة من الخطابات التى ترجمها إبراهيم عبدالمجيد كاملة (لم تكن ترجمت بكاملها قبل ذلك، إنما ما يمثل ثلثها فقط، وقد أوضح ذلك تفصيلا فى مقدمته الضافية)، رسمت الليدى الإنجليزية النبيلة التى عاشت فى مصر خلال الفترة من 1862 حتى 1869 صورة رائعة للبلد الذى أحبته، صورة غنية بالجوانب والمشاعر الإنسانية الفياضة، صورة اتسمت باتساع الرؤية وعمق الفهم. جاءت ليدى دوف جوردون التى يصفها المترجم بـ «الكاتبة والمترجمة العظيمة فى تاريخ الأدب الإنجليزى» إلى مصر عام 1862، للاستشفاء من مرض السل وسط الطبيعة الجافة. ظلت جوردون تكتب الرسائل وتبعث بها إلى زوجها وأمها وابنتها حتى وفاتها ودفنها فى مصر عام 1869.
كان السؤال: ما الذى دفع إبراهيم عبدالمجيد، وهو الروائى القدير المنشغل بأعماله المهمة وإنتاجه السردى المميز والمتصل خاصة فى السنوات الأخيرة، بأن يكرس من وقته لترجمة هذا الكتاب الضخم؟
يجيب عبدالمجيد: فى رسائلها أعظم مظاهر الحب لمصر والمصريين، أبكانى الكتاب أكثر من مرة وأمتعنى غاية المتعة، وأنا أرى الحياة البسيطة للمصريين خالية من كل تعصب بين الأديان، حافلة بالتسامح، وأرى الغائب فى كثير من كتب التاريخ عن الظلم الذى عاناه الشعب المصرى تحت حكم الخديوى المستنير اسماعيل! والمشاعر المتدفقة من الخدم الأطفال والكبار، العبيد والأحرار وتعلقهم الرائع بهذه السيدة العظيمة. بلغت محبة المصريين لها عنان السماء، وهم يبتهلون من أجلها فى مولد سيدى أبو الحجاج فى الأقصر، ومولد سيدى عبدالرحيم القناوى فى قنا. وجد المصريون فيها ملاذا لهم فى الحياة، ولم يعترفو بغيرها مبعوثا للإنسانية فى أعظم صورها. كم كانت عظيمة هذه السيدة جديرة بما لقبها به المصريون البسطاء «البشوشة»، «الشيخة»، «الست»، «نور على نور».
أكثر من مائة وعشرين رسالة فى حب مصر والمصريين. قابلتْ «جوردون» رجالا عظماء مجهولين؛ مثل الشيخ يوسف الذى لا يعرفه أحد، بينما أفكاره تماما مثل رفاعة الطهطاوى، ثم طه حسين فيما بعد، وغيره من العظماء.
بلغت الرسائل التى ترجمها إبراهيم عبدالمجيد 131 رسالة، جمعها من أكثر من طبعة إنجليزية للرسائل؛ وقدم لها وبين المحاولات التى سبقت هذه الترجمة، وما يميز ترجمته للرسائل التى نشرت كاملة دون حذف أو اختصار.