معركة فلسطينية فى المدارس البريطانية
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 20 سبتمبر 2021 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
جافين ويليامسون وزير التعليم البريطانى الذى جرى إقالته قبل أيام من حكومة بوريس جونسون، رجل محب لإسرائيل، عاشق لسياساتها، وهو ابن بار لأوهام إمبراطورية عظمى غربت شمسها بلا رجعة، بعد أن منح وزير خارجيتها آرثر بلفور فى 2 نوفمبر عام 1917 وعدا مشئوما لزعماء الحركة الصهيونية بإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، بما ساعد على إعلان إسرائيل كدولة فى مايو عام 1948.
ويليامسون وقبيل مغادرته منصبه، مقالا لأسباب تتعلق بسوء إدارته للعملية التعليمية فى ظل وباء كورونا، أرسل مجموعة من القرارات المتتالية إلى مدراء المدارس تستهدف حظر أى نقاش وسط الطلاب بشأن القضية الفلسطينية، ومنع وصولهم إلى مؤسسات أو مصادر معرفة تتعاطف مع الفلسطينيين، أو تحاول أعطاء رؤية متوازنة لطبيعة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أوحتى تتحدث عن حق عودة اللاجئين، فضلا عن إخماد أى صوت يفضح الممارسات العنصرية القمعية الإسرائيلية فى الأراض المحتلة.
تعليمات السيد ويليامسون، التى تحظر استخدام شارات تحمل أى لون من ألوان العلم الفلسطينى، ناهيك عن الكوفية الفلسطينية الشهيرة، تحت مزاعم «الحياد السياسى» كانت بابا لملاحقة العديد من الطلاب، فجرى فصل بعضهم واتخاذ إجراءات تأديبية بحق البعض الآخر بينها منع هؤلاء الطلاب من استخدام صفحاتهم على الإنترنت فى إجراء مناقشات مع زملائهم حول القضية الفلسطينية أوالظلم الواقع على الفلسطينيين.
وإزاء عمليات المراقبة التى تشبه محاكم التفتيش فى النوايا داخل المدارس البريطانية، ومنع التلاميذ بل والأساتذة من حقهم فى التعبير عن آرائهم المتعاطفة مع الشعب الفلسطينى، ورفض التنكيل اليومى به، سارعت عدة منظمات حقوقية فى بريطانيا إلى تصعيد الأمر إلى المحكمة العليا التى تعد قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن، فى معركة قانونية يطمح أصحابها إلى إبطال قرارات وزير التعليم المقال.
المنظمات الحقوقية التى تتصدى لهذه المعركة القانونية الدائرة فى بريطانيا الآن، لا تنكر على الوزير البريطانى السابق حقه الشخصى فى التعاطف مع إسرائيل، وإظهار تأييده لسياساتها العنصرية الوحشية بحق الفلسطينيين، لكنها ضد قراراته التى تمنع حرية النقاش داخل المؤسسات التعليمية، باعتبارها تقويضا لحرية الرأى والتعبير، بل إن البعض رأى فى تلك القرارات «محاولة لتشكيل الخطاب التربوى حول الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، عبر فرض نوع من الرقابة على النقاش الحر للطلبة».
قرارات ويليامسون التى أثارت الاستياء داخل عدد من الدوائر الحقوقية والأكاديمية فى بريطانيا، تعكس موقف الحكومة الرسمى، وجاءت فى أعقاب زيادة التعاطف فى أوساط طلاب وتلاميذ المدارس، وارتفاع درجة وعيهم بالحقوق الفلسطينية ومشاركتهم النشطة فى المظاهرات التى خرجت ضد العدوان الإسرائيلى على غزة فى شهر مايو الماضى، مع تزايد الانتقادات الموجهة للممارسات الوحشية الإسرائيلية اليومية ضد الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أهمية المعركة الحقوقية الدائرة لتعرية النفاق البريطانى الرسمى لإسرائيل، منذ وعد بلفور قبل أكثر من مائة عام وحتى الآن، فى ظل جحود الحكومات البريطانية المتعاقبة لحق الفلسطينيين فى الوجود، فإن صدى ما يدور داخل المدارس البريطانية فى الصحافة العربية يكاد لا يكون موجودا، فلم تكتب غالبية الصحف العربية،على كثرتها، حرفا واحدا عن هذه المعركة التى يمكن البناء عليها لنصرة «قضية العرب المركزية» إذا كنا لا نزال نتذكر!!
لعبت بريطانيا دورا مشئوما فى قيام إسرائيل، ولا يجب ترك حكوماتها تواصل الأدوار السلبية التى تستهدف قمع أى تعاطف مع الفلسطينيين، أو منع رفع العلم الفلسطينى أو ارتداء الكوفية كرمز لنصرة الحق، والدفاع عن المظلومين، بقرارات صادرة عن شخصيات رسمية بريطانية رضعت الانحياز السافر لدولة عنصرية لا تعرف إلا القتل سبيلا للبقاء والوجود.