المسئولية الدولية.. سد «النهضة» كأحد المخاطر العابرة للحدود

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

الأوضاع الإقليمية المتصاعدة تلقى بظلالها على أزمة سد النهضة وما تمثلها من خطورة على استقرار المنطقة، فما تفعله دولة إثيوبيا يعد جريمة دولية، وذلك بحجب المياه عن دولتى المصب ومنها مصر، فتأتى مسألة نهر النيل على رأس أولويات الدولة المصرية.

ويعد سد النهضة ذات تأثير مباشر فى الأمن القومى المصرى، فنهر النيل هو مصدر الحياة والتنمية لمصر، والأمن المائى المصرى مرتبط ارتباطا وثيقا بتأمين حصة مصر من مياه النيل، وهو ما يزداد خطورة يومًا بعد يوم على دولتى المصب السودان ومصر نتيجة حجم التخزين الكبير، فاستمرار النهج الإثيوبى مثير للقلاقل مع جيرانها ومهدد لاستقرار الإقليم، فدولة إثيوبيا تستخدم المفاوضات كغطاء لتكريس الأمر الواقع، وهو ما ترفضه الدولة المصرية جملة وتفصيلاً ويعد سببًا جوهريًا لمصر والسودان لمطالبة المجتمع الدولى ومجلس الأمن للقيام بمسئولياتهم لحفظ الأمن والسلم فى المنطقة.

فمنذ بدء إنشاء سد النهضة 2011 حتى الآن 2024 نرى أن المفاوضات تتسم بعدم القدرة على الحراك أو التقدم، وهو ما يعد جمودًا سياسيًّا بسبب تعنت الجانب الإثيوبى لغياب الإطار القانونى الجامع الذى يحظى بقبول الجميع.

مما يمكن معه إقامة المسئولية الدولية تجاه إثيوبيا وتكون تلك المسئولية موضوعية تؤسس على فكرة الضرر، وكذلك مسئولية شخصية تؤسس على فكرة الخطأ وذلك استنادًا إلى عدة نقاط:

أولًا: تأخذ إثيوبيا فى أفعالها بنظرية السيادة المطلقة على نهر النيل وكأنه نهر داخلى وليس نهرًا دوليًا وهو ما يخالف قواعد القانون الدولى، فلم يتم تطبيق تلك النظرية على أى نهر دولى، فكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية أخذت بالانتفاع المشترك لمياه النهر الدولى والتوزيع العادل والمنصف للمياه والمحافظة على الحقوق التاريخية المكتسبة والتشاور قبل البدء فى أى أعمال والإخطار المسبق ونبذ السيادة المطلقة والتصرفات الأحادية الجانب وتبادل المعلومات وعدم إحداث ضرر بالغير ومنها:

  • إخلال إثيوبيا بواجب الحفاظ على الحقوق التاريخية المكتسبة

ب ــ الإخلال بواجب التشاور المسبق وضرورة التفاوض والتشاور على أساس حسن النية والاتفاق على مثل تلك الأعمال.

ج ــ الإخلال بواجب عدم الإضرار.

د ــ الإخلال بالتوزيع العادل والمنصف.

 وتعد أيضًا أهداف الدولة الإثيوبية السياسية الحقيقية والتى ترمى إلى أسر نهر النيل والتحكم فيه وتحويله من نهر عابر للحدود جالب للحياة إلى أداة سياسية لممارسة النفوذ السياسى وبسط السيطرة، وهو ما يهدد تقويض السلم والأمن فى المنطقة.

ثانيًا: فى حالة ادعاء إثيوبيا أنها تفعل ذلك للتنمية، وأن ذلك حقها المشروع فذلك مردود عليه بالمسئولية الدولية للنتائج الضارة الناشئة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولى أو ما يعرف (بنظرية المخاطر).

فالدولة وهى تحاول أن تلحق بركب التطور التقنى قد تنحو إلى استخدام عدة أفعال مشروعة، إلا أنها تُلحق فى ذات الوقت ضررًا بالغًا بإقليم دولة أخرى، فتتحقق المسئولية الدولية تجاه الدولة وفقًا لنظرية المخاطر وذلك بالنظر إلى الأضرار التى أصابت دولة أخرى، وهو ما يجعل القواعد الدولية مسايرة للتطور السريع للعلاقات الدولية فكل من استحدث خطرًا يكون مسئولًا عن الضرر الناتج عنه بغض النظر عن سبب وقوعه سواء حدث نتيجة خطأ أو إهمال أو بدون خطأ، حتى لو أثبت أنه اتخذ كل وسائل الحيطة والوقاية لمنع حدوثه وهو ما تنتهكه دولة إثيوبيا ولم تفعله منذ بدء إنشاء سد النهضة وتشغيله.

وتنطبق النظرية أيضًا على مخاطر تتسبب فى ضرر جسيم عابر للحدود بسبب نتائجها المادية، فقد يصدر عن الدولة فعل يمثل خطورة استثنائية تترتب عليه أضرار بدولة أخرى ولو كان الفعل فى ذاته مشروعًا فتقوم مسئولية الدولة وفقًا لنظرية المخاطر، وهو ما ينطبق على سد النهضة الإثيوبى، وما يسببه من مخاطر عابرة للحدود لدولتى المصب.

ولإقامة المسئولية الدولية فلا بد من توفر عنصر الضرر فهو عنصر جوهرى والضرر فى بعض الأحوال يتعذر إثباته، فإقامة إثيوبيا سد النهضة بإرادتها المنفردة دون التشاور مع باقى الدول وما يحدثه سد النهضة من أضرار مستقبلية على دول المصب يجعل من الصعب أن تطالب الدول المتضررة بإثباته، ومن ثَمّ يفترض فى هذه الحالة على الدولة المسئولة إثبات عدم وقوع الضرر لإخلاء مسئوليتها، وفى هذه الحالة التى يُفترض فيها الضرر ينقل عبء الإثبات إلى عاتق الدولة الأخرى المدعى عليها.

وختامًا، ما تقوم به إثيوبيا من بناء وتشغيل سد النهضة وتخزين المياه هو عمل غير مشروع يحظره القانون الدولى وفقًا لنظرية العمل غير المشروع، وكذلك الإرادة المنفردة فيما تفعله دولة إثيوبيا وانتهاجها نظرية السيادة المطلقة، كل ذلك أفعال غير مشروعة يحظرها القانون الدولى، وتتحمل دولة إثيوبيا مسئولية قيامها بالاستغلال الضار للمياه متى قامت باستغلال نهر النيل استغلالاً يؤدى إلى المساس بالمصالح الحيوية لدول النهر الأخرى أو بأى منها وهو المتحقق فعليًا من أضرار سد النهضة على كلٍّ من مصر والسودان.

وفى حالة تحججت دولة إثيوبيا بأن ما تقوم به لا يخالف القانون الدولى لرغبتها كدولة فى التنمية فمردود عليه أيضًا بأعمال نظرية المخاطر، والتى تنشئ المسئولية على عاتق الدولة حتى ولو كان مسلكها مشروعا، إلا أن ذلك المسلك يمثل ضررًا وخطرًا على دول أخرى وهو الضرر والخطر العابر للحدود، فسد النهضة يمثل قنبلة مائية موقوتة؛ ففى حالة انهياره سيتسبب فى خطر بالغ لدولتى المصب، كذلك حجب كمية كبيرة من المياه عن دولتى المصب فى ظل أزمة شح مائى تؤثر فى التنمية والحياة فى مصر ويحرم السكان من الماء وهو ما يتمثل فى إهلاك السكان وحرمانهم من المياه؛ مما يعد جريمة دولية وهو ما لا تقبل به الدولة المصرية شكلًا وموضوعًا، ويؤثر فى الحق فى الحياة، وهو من أهم الحقوق المؤكدة فى كل المواثيق الدولية فالاعتداء على الحق فى الحياة يمثل جريمة دولية.

ولا يزال هناك طريق أخير وهو رد العدوان والضرر المتمثل فى سد النهضة بالدفاع الشرعى عن حقوق مصر المائية، ويكون ذلك بإعمال الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد استنفاد جميع الطرق القانونية والسياسية والدبلوماسية.

محمد حربى

المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved