الدستور والطريق الضيق

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 20 أكتوبر 2010 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

 تستدعى محنة جريدة «الدستور» إلى الذاكرة وما يتهدد عددا من صحفييها من مستقبل مظلم، ما حدث لجريدة «الشعب» التى كان يصدرها حزب العمل قبل أن تطيح به وبها أزمة سياسية عاتية قبل نحو عشر سنوات.. حين سحب المجلس الأعلى للصحافة ترخيصها لنشرها مقالات أثارت ثائرة المشايخ فى الأزهر، وتشرد بناء على قرار تعسفى عدد من صحفييها والعاملين فيها مازالت مشكلتهم قائمة حتى الآن بغير حل. يتقاضون مكافآت هزيلة من نقابة الصحفيين بعد ان رفضت الحكومة تنفيذ ما صدر من أحكام القضاء لصالحهم.. بعضهم وجد عملا فى صحف أخرى وكثير منهم مازال يحتمى بجدران النقابة ومساعداتها.

ليس من شك فى أن الصورة لا تختلف كثيرا عن الوضع السيئ فى «الدستور» التى كشف الخلاف الناشب فيها بين أصحاب رأس المال والصحفيين عن المعضلة التى تواجه الصحافة ووسائل الإعلام الخاصة والفضائيات، والتى أدت إلى استبدال سيطرة رأس المال ورجال الأعمال وشركات الإعلانات بسيطرة الدولة. وربما يضاف إلى ذلك مأزق آخر، حين يتم التحالف بين سيطرة المال مع سيطرة الدولة. حينئذ تستولد الظروف المتوائمة وضعا قريب الشبه من الوضع الذى تعرضت له الدستور.

وها هى «الدستور» تدخل أسبوعها الثالث دون أن تبدو فى الأفق بادرة حل للمشكلة، التى نشبت بين مجلس الإدارة ومحررى الصحيفة. وذلك بعد أن شهدت عملية شراء الجريدة من مالكها الأصلى تعقيدات أفضت إلى صدام بين المالك الجديد رضا إدوارد وبين مجموعة المحررين الرئيسيين، الذين كان يرجى أن يتحملوا أعباء قيادتها لو أن المجلس الجديد أبدى قدرا من الحكمة والمرونة وحافظ على استمرارية النهج الصحفى الذى سارت عليه «الدستور» قبل أن تتفسخ وتفقد شخصيتها..

ولكن يبدو أن هذا بالضبط ما سعى الملاك الجدد إلى تحقيقه!
وحتى هذه اللحظة لم تسفر جهود الوساطة التى بذلت من جانب النقابة، وأبدى فيها النقيب مكرم محمد أحمد جهدا مشكورا، عن نتائج مرضية. ومازالت اعتصامات الكتلة الرئيسية من الصحفيين فى مبنى النقابة ووقفاتهم أمام المجلس الأعلى للصحافة مستمرة. كما أن تلكؤ الملاك الجدد فى الوصول إلى حلول وسط فى ضوء المقترحات التى تقدمت بها النقابة، يدل على فقدان كامل للثقة بين الطرفين.

ولابد أن نعترف بأنه فى ظل الظروف التى جرى فيها نقل ملكية الصحيفة، وقعت متغيرات عديدة: فالشارى الأصلى الذى ظهر فى البداية بصفته الحزبية المعتدلة الناعمة والداعمة لحرية الصحافة، تخلى عن مشروعه وتركه لقمة سائغة فى فم رجل أعمال يسعى إلى استثمار أمواله فى مجال الإعلام. كما رفع إبراهيم عيسى يده متخليا عن مسئوليته الأدبية إزاء الصحفيين الذين عملوا معه سنوات طويلة، وأقاموا للدستور شهرتها وكيانها، وتركهم يواجهون مماطلات وألاعيب الملاك الجدد.

المشكلة التى تواجه صحفيى الدستور فى خلافاتهم مع الإدارة الحالية ــ فضلا عن عدم وجود اتفاق مكتوب على سياسات تحرير محددة ــ وهو أمر شائع فى كل الصحف القومية والخاصة على حد سواء، أنه لا توجد لوائح وتنظيمات قانونية تحدد خطوطا واضحة فاصلة بين سلطة المالك سواء كان الحكومة أو صاحب رأس المال، وسلطة الصحفيين التى يتحدث باسمها رئيس التحرير.

وما هى الحدود المسموح للمالك بالتدخل فى المادة المنشورة أو المعدة للنشر. ربما لا تظهر هذه المشكلة بوضوح فى الصحف القومية التى تخضع رئاسة تحريرها لسيطرة ــ غير معلنة ــ من جانب الدولة. بينما تتعرض الصحف الخاصة للتأثير المباشر من صاحب رأس المال أو من المصالح الإعلانية أو الجهات الأمنية أو الدوائر السياسية النافذة. وان بقيت المسئولية القانونية معلقة فى رقبة رئيس التحرير. ولهذا السبب استقرت التقاليد المهنية فى النظم الديمقراطية فى الغرب على مشاركة الصحفيين والعاملين فى الصحف فى وضع سياساتها التحريرية، ومناقشتها فى أوقات الأزمات والانتخابات وغيرها من الأحداث الطارئة، للاتفاق على الخط السياسى والصحفى الذى تسلكه الجريدة.

من الواضح أن مشكلة الدستور قد بلغت موقفا حرجا، وأن طريق الخروج من المنحدر الذى انزلقت إليه بات ضيقا. وفى رأيى أن الأولوية الأولى للجهود التى تبذل يجب أن تنصرف إلى الحفاظ على أماكن العمل ومنع تشريد الصحفيين والدخول فى متاهة القضايا والمحاكم.. وفى رأيى أن إعادة «الدستور» إلى وضعها السابق ــ حتى بدون إبراهيم عيسى ــ يمكن أن يأتى من داخلها وبيد أبنائها من المحررين العاملين، عن طريق انتزاع أكبر قدر من المكاسب وهوامش الحرية المقبولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved