عرس عند جيران
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 20 أكتوبر 2018 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
الكثير من الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة لها قدرة فائقة على التعبير عن المواقف التى يواجهها الأفراد والجماعات مهما كانت غريبة أو صادمة. فهى تغطى كل المناسبات والمواقف، كما أنها حاضرة فى أحاديثنا وتفاعلاتنا وخطابنا السياسى والدينى والثقافى. البعض يستطيع الحديث لساعات معتمدا على الأحاديث والحكم والأمثال والأقوال المأثورة والموروثة بدون الحاجة إلى تحليل الواقع والبحث عن الشواهد والعلل والمشكلات والهموم والحاجات والانشغالات، فيجد من يستمع إليه ويستوعب ما يقول بدون أى حاجة إلى شواهد وبراهين ومهارات للإلقاء والاتصال والتأثير، فكلها فى النصوص التى أعاد الخطيب تلاوتها.
رجال الدين والشيوخ كانوا ولا يزالون يجترون بعض النصوص لخطب ألقيت قبل مئات وعشرات السنين بدون إضافة كلمة واحدة وبدون تغيير فى الوقفات ونغمة الصوت أو درجة الانفعال. والساسة يلجَئُون أحيانا إلى البحث عن اقتباسات وأقوال وردت فى خطابات تاريخية لأسلافهم أو لمشاهير ممن تركوا أثرا تجاوز حدود الزمان والمكان.
فى الولايات المتحدة، لا تزال خطابات جورج واشنطن وإبراهام لنكولن وودرو ويلسون وروزفلت وكيندى ونيكسون وريجان المخزون الاستراتيجى التى يعمل خبراء ومعدو خطب الرؤساء على مراجعتها والاستعارة منها فى كل مرة يكلفون بها لإعداد خطاب جديد لسيد من سادة البيت الأبيض.
فى الثقافة العربية حيث الالتزام بالتقاليد الصارمة وقواعد المجاملة التى تمنع الأفراد والجماعات من التعبير الحر عن شعورهم ومواقفهم مما يجرى فى محيطهم، تأتى الأمثال والأقوال المأثورة لتسعف الأفراد، ففى استخدامها إشباع لرغبة التعبير وتحرير للفرد من مسئولية اختراق الممنوعات والخروج على قواعد السلوك.
المثل القائل: «عرس عند جيران» يعبر بوضوح وبدقة عن الحالة التى تعترى الأفراد وهم يطالعون ما يجرى حولهم بدون مشاركتهم فى الأقوال أو الأفعال أو أى وجه من وجوه التعبير. اختفاء مظاهر التعبير العلنى لا يلغى انشغال الأفراد والجماعات بالحدث أو توقفهم عن البحث والمتابعة والتحليل، بل يكشف حالة التناقض بين ما يظهره الفرد وما يبطنه وبين الخطابة والواقع والمواقف المعلنة والمواقف الحقيقية.
الأزمة التى يواجهها الإعلام العربى الرسمى تأتى من أنه يقدم خطابا لفظيا مزخرفا بالأقوال والتعبيرات والمشاعر التى لا تسندها الأفعال ولا تعكس الواقع، الأمر الذى يضعف مصداقية الخطاب ويدفع الأفراد والجماعات للبحث عن مصادر أخرى أكثر واقعية وصدقا.
فى الكتب المدرسية وأحاديث المختصين للطلبة والجماهير، يجرى توصيف الخطاب الإعلامى على أنه خلاصة الممارسات التى تقوم بها الدول والجماعات ويجرى نقلها بعد صياغتها فى مضامين هادفة للجمهور عبر وسائل الإعلام. الصورة الرومانسية للخطاب الإعلامى تتجنب الإشارة إلى أن الكثير من الأقوال التى ترد فى الخطاب الإعلامى تتناقض مع الأفعال أو تتعمد عرض مقتطفات مما يجرى وإهمال أخرى من أجل إحداث التغيير المرغوب فى الجمهور المتلقى بدون اكتراث كبير للحقيقة والرسالة والأهداف التى يجرى الحديث عنها عند توصيف المؤسسات الإعلامية ومهنة الصحافة لمن لا يعرف الكثير عما يجرى فى مسارحها الخلفية وفى مكاتب التحرير وغرف الأخبار.
استمرار الاعتقاد لدى البعض بأن على الإعلام أن يعرض الحقيقة المجردة مطلب قد يصعب الوصول إليه فى ضوء تعدد المتغيرات والمرجعيات والقوى التى تتحكم فى الخطاب وتؤثر على عمليات إنتاجه وصياغته وإخراجه ونقله. فى ضوء ذلك، فإن الخطاب الإعلامى اليوم لا يعكس بدقة الممارسات الاجتماعية بما فيها من أقوال وأفعال وقيم وتجاوزات بقدر ما يعبر عن خلاصة ما يجرى الاتفاق عليه من قبل أصحاب المصالح والمتنفذين مع مجموعة العاملين فى المهنة فى محاولة للموازنة بين القوانين والقواعد المهنية والأخلاقية وتوقعات الجمهور من ناحية وإرضاء الممولين وأصحاب السلطة والمصالح من جهة أخرى.
الغد ــ الأردن
صبرى الربيحات